استتباعاً لحديث الأمس حول مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية أقف على فن المنمنمات الهندية الفارسية التي شكلت رافعة أساسية في معرض هذا العام، وتحديداً فيما يتعلق بصورة المرأة في هذه المنمنمات، فقد أظهرت جُملة الرسوم المؤسسة على النمنمة والرقش والزخرفة الهندية حضوراً أُفقياً للمرأة، حيث كانت في الغالب الأعم حاضرةً في قلب اللوحات كتعبير عن مكانة المرأة في الثقافة الهندية التقليدية، كما أن ذلك الحضور اتّسم بمركزية واضحة، فالمرأة تقبع في قلب معادلة الجمال الموصول بأسباب الحياة .. الزرع والخيرات والأنوار البهيّة، والأزهار والثمارالملونة.. كل هذه العناصر الحياتية تتحلّق حول الأُنثى، في إشارة إلى كونها مصدراً للخير، فالمرأة بحسب الاستقراء البصري الدلالي تظهر بوصفها الحاضن الأكبر لهذه المعطيات الوجودية. في أُفق آخر تُظهر فنون الرسم الفارسي الموشى بالزخارف والنمنمات عالماً من التداعي البصري مع أُنثى الخيال التي تنبع من هواجس وأحلام الشعراء والمفكرين، فالأُنثى هنا تبدو كما لو أنها المُعادل البصري لسر اللوحة وتنويعات ألوانها، ولكن دون الوقوع في وهدة التجسيم المُخل الذي يسِم أنواع الفنون التجسيدية المعروفة، والشاهد أن حضور المرأة يتّصل بالملابس الزاهية المحتشمة، وآفاق الخيال الشعري القادم من عوالم المنمنمات والتدويرات فوق الواقعية، ولكن دون التماهي مع سريالية الوجوديين الأوروبيين ذات المنابع الفكرية المُغايرة. الرسوم القادمة من الهند كانت أبرز ما ميّز العروض التشكيلية في مهرجان الفنون الاسلامية لهذا العام، وبهذه المناسبة لا بد من الاشارة إلى أن كامل العروض التشكيلية المشاركة كانت مجاورة لمفاهيم التجريد والزخرفة والنمنمة والرقش ذات الصلة بالفن الاسلامي، مع ملاحظة أنها عكست أيضاً منابع متنوعة لآداب سردية وأساطير شعبية في تلك البلدان، وكان تلك الحقيقة بمثابة اشارة ذات مغزى إلى العلاقات التواشجية التاريخية بين مفردات الفنون الإسلامية، وثقافات الشعوب التي تأثرت بها، بل وجعلتها في القلب من ثقافتها الخاصة. [email protected]