الصورة في الثقافة العربية الإسلامية تعرضت لتعميم ما كان يسمى بعصر التدوين. في هذا العصر تم إخضاع الإبداع البصري لعلم الكلام، وكانت هنالك مقولات منها مقولة التشبيه والتنزيه، وهذه واحدة من التخريجات الكلامية المشابهة للمقارنة الميكانيكية بين العمل الواقعي والعمل التجريدي، وتبدو نسبية المقولة في كون العمل الواقعي في دواخله تجريداً، وكل عمل تجريدي في دواخله واقعي. عندما نرسم لوحة في إطار الطول والعرض نعتبر البُعد الثالث في هذه اللوحة افتراضياً، ولكننا نرسم ضمن نفس القوانين الهندسية التي نأخذها من البعد الثالث الواقعي في الطبيعة، فكأننا نخلق إيهاماً ونصنع تجريداً في هذه اللوحة الواقعية. والحال فيما يتعلق بالعمل التجريدي، هذا العمل التجريدي إذا راجعناه بدقة سأجد أن واقعيته تكمن في موسيقاه وتوازنه والكيمياء الغنائية التي حملت نفس المشكلة التي ترافقت مع علم كلام التشبيه والتنزيه، فكأن كل تجسيد تشبيه، لكن هل كل تجسيد يقترن بالبورتريه؟ حتى في المسيحية كان لديهم حرب كبيرة جداً اسمها حرب الأيقونات، وكان الإشكال لديهم يتمثل في سؤالين: لماذا نرسم؟ لماذا نشبه؟ وتحديداً الكنيسة الأرثوذكسية، يعني محاولة تليين الاشتباك بين التجريد والتجسيد أو بين الفكر الماورائي الموصول بالحقيقة الواقعية، والحقيقة التي تستمد النفحة مما هو غيبي ماورائي، وأن كل تمظهر في هذه الحياة الواقعية هو تمجيد مكثف لإشارة علوية. من هذه الناحية حصل نوع من الانحسار في ثقافة التصوير لمصلحة ثقافة التجريد، وكانت اللغة الحامل الأكبر لمصلحة الثقافة التجريدية. وهذا الأمر له شواهده أيضاً في الثقافة العربية الإسلامية السبب حيث أصبح التجريد في الحرف العربي فناً قائماً بذاته. ونحن إذا رأينا النصوص العربية القديمة واستقرأنا عتبات هذه النصوص وكيفية كتابتها وكيفية التغني بزخارفها سنكتشف أنهم حولوا النص المكتوب إلى فن حقيقي تجاوزاً لهذا المنع الإجرائي الاستيهامي الذي جاء به علماء الكلام، وبالتالي انحسرت الصورة المجسدة أمام الصورة المجردة المموسقة بالزخرفة والنمنمة والنقش والرقش.