اطلعت على موضوع (قبيلة هائل سعيد) للصحفي اللامع أحمد شوقي أحمد المنشور بصحيفة “الجمهورية” المنشور بعددها الصادر يوم الأربعاء 14/ 3/ 2012م تحدث فيه عن استهداف بيت هائل في معرض تناوله لتداعيات الانفعالات الثورية، ومحاولة ركوب موجة هيجان الحماس الشبابي بتعز، ممن يسعون إلى اختطاف نقاء الثورة والإساءة إلى طهرها، من كل من يضمر شراً لتعز، ويعمل على وضع ألغام وقنابل موقوتة أمام مسارها الثوري لتعطي تعز النموذج الأسوأ والصورة الممسوخة لحركة التغيير وإن كان للكاتب وجهة نظره الخاصة في رد الأمر إلى قوى محددة بعينها. ورغم قناعتنا بسلامة نوايا الشباب وعدم تعمدهم الإساءة والإضرار، وهم يتبنون إنشاء النقابات العمالية من خلال كياناتهم في الساحة، وتنظيم بداياتها وحركتها من الساحة وإليها إلا أنهم في غمرة هيجانهم الثوري يستفرغون طاقاتهم في تبني مشاريع صغيرة يمكن تأجيلها وترحيلها في مرحلة زمنية لها أولوياتها الوطنية التي تقتضي البدء بالأهم قبل المهم وتستوجب الفروض قبل النوافل وتوحيد الجهود في توجه وطني عام على مستوى المحافظة والوطن.. مع أن ذلك حق قانوني لهم. إلا أن مؤشرات توظيف حادثة إطلاق النار التي صاحبت وقفة اعتصام عمال شركة الإسفنج والبلاستيك، وإلصاقها ببيت هائل تستهدف – كما أشار الكاتب – رأس المال الوطني الذي يمثل القوة الناعمة في محافظة تعز، ويبدو أن المحصلة النهائية التي يسعى إليها من هم وراء هذا الاستهداف هي تطفيش بيت هائل سعيد وتنفيرهم وإظهارهم وكأنهم غير مرغوب فيهم ولا محبوبين من أهلهم في تعز.. ولاينقص العملية إلا تصاعد درجة حمى تلك الانفعالات لتهتف في النهاية “ترحل بيت هائل ترحل!!” في مشروع خارج تماماً عن مايهدف إليه الشباب والعمل النقابي. وكأنه يراد من ثورة التغيير أن تختزل هنا في تعز ضد بيت هائل، في الوقت الذي بإمكان بيت هائل جميعهم أن يرحلوا بكل بساطة.. ولديهم من المنشآت الصناعية والشركات التجارية خارج الوطن ما يمثل امبراطورية اقتصادية قياساً بما هو تابع لهم داخل الوطن.. إلا أن الأمر – كما نتيقن – لن يصل إلى هذا الحد لا من أي فئة من أبناء تعز ولا من أسرة بيت هائل نفسها ولن تسمح تعز بحدوثه لبيت هائل. ويكفي أن نشير هنا إلى موقف الشباب والعمال المعتصمين أمام شركة الإسفنج والبلاستيك بعد حادثة إطلاق النار مع الأخ خالد أحمد هائل سعيد الذي كان يحاورهم في الشارع، فكما ورد في خبر صحيفة “الجمهورية” صباح اليوم التالي للحادث.. أنهم قاموا بعمل حاجز بشري حوله لحمايته وإيصاله إلى سيارته وإفساح الطريق أمامه للمغادرة. تخيلوا تعز بدونهم: تخيلوا تعز بدون بيت هائل سعيد!! تخيلوا تعز وقد قامت بيت هائل بإغلاق المصانع فيها، وإقفال شركاتها، وتوقيف منتجاتها، وإماتة أنشطتها بتعز!! تخيلوا تعز.. وقد تعطل داخلها أكثر من عشرين ألف عامل وموظف كانوا ينسبون إلى بيت هائل وكل واحد منهم مسئول عن أسرة كاملة!! تخيلوا تعز.. وقد تجمدت فيها أعمال الآلاف من وكلاء بيت هائل وموزعيها على مستوى المحافظة والجمهورية.. وتضررت أسرهم معهم!! تخيلوا تعز.. وقد حرمت من أعمال بيت هائل الخيرية ومن خدماتها الاجتماعية ومساعداتها الإنسانية!! تخيلوا تعز.. وقد خلت من أسرة بيت هائل أصحاب الوجوه الطيبة والقلوب الرحيمة والنفوس الخدومة والأيدي الكريمة والمواقف الوطنية. تخيلوا تعز.. ومجلسها المحلي ونشاطها الرياضي وفعالياتها الشبابية ومشاريعها التنموية والخدمية.. وقد خلت من الأخ شوقي أحمد هائل!! تخيلوا تعز بدونهم.. كيف سيكون حالها!! ومع أن ما ينطبق على تعز بشأن بيت هائل ينطبق على كل محافظات اليمن إلا أن ما سينال تعز أضعاف الضرر والنقائص التي ستكون فيما سواها باعتبار بيت هائل يمثلون الركن الرئيسي في مكونها الاجتماعي والقوة الاقتصادية الأولى فيما والعمق الخيري والإنساني لها, وهي بيت تعز بكل فئاتها وشرائحها. إن مايستهدف بيت هائل اليوم ويستهدف طبيعة تعز الوادعة الآمنة، ويستهدف خصوصيتها المدنية وسلامها الاجتماعي، وحضورها الثوري المؤثر.. كل هذا إنما هو من مظاهر السلوك المسخ الذي أفرزته عوامل التدخل والتأثير في العملية الثورية لمحافظة تعز لتشويه شخصيتها الحضارية من قبل بعض مراكز القوى المحلية والمركزية وربما الإقليمية.. وكادت أن تفلح في فترة ما خلال العام التغييري من جر المحافظة إلى حرب أهلية ومعارك شوارع، لولا لطف الله تعالى بجهود بعض الخيرين من مسئولي المحافظة ورجالها وعلى رأسهم الأستاذ عبدالجبار هائل سعيد وتبنيه لجنة التهدئة في وقت كان يمكن للأمور أن تصل إلى أسوأ مايكون في حينه. لاقبلي ولامدني: وهذا المظهر المسخ الذي يحاول أن يتسيد اليوم على تعز المحتكم إلى السلاح، المتقوي بالهمجية الذي لايعمل حساباً لنظام وقانون ولا لعرف وأخلاق، فلا هو بالمدني المضبوط بأخلاقياته، ولا بالقبلي المحكوم بأعرافه.. إنما هو ناتج عن انتهاج المدني في تعز سلوكاً غير سلوكه متضاداً مع طبيعته خارجاً عن بيئته. لذلك نجد هذا السلوك المسخ يفرض نفسه في كثير من العلاقات والتعاملات داخل تعز, فكل من لديه حسابات تجاه أشخاص أو خلاف معهم يحتكم إلى السلاح والعنف، وكل حادث طارئ يحتكم إلى الهمجية والسلاح، واحتفالات الأعراس والمناسبات تستخدم مختلف أنواع الأسلحة وأقوى الألعاب النارية، وصار السلاح بديلاً عن الكتاب والقلم في تعز حتى أصبح القتل للنفس المحرمة يحدث لمجرد احتكاك مروري أو تراكم قمامة أو إحراقها أو حتى لمزاح بين شباب صغار, ناهيك عن العمليات المتجددة للنهب والابتزاز تحت تهديد السلاح, والشرعنة لأية مخالفة بقوة السلاح, والاستعراض بالأسلحة في أنحاء المدينة وإطلاق النار العشوائي في كل وقت, ويحدث كل هذا في تعز!! بينما في المجتمعات القبلية في بلادنا نجد الوسط القبلي يتعامل مع السلاح وحمله وفق ضوابط أخلاقية وأعراف قبلية تجعل من مجرد توجيه السلاح لشخصٍ ما في القبيلة أو حتى مجرد رفع الجنبية في وجهه جرماً معيباً له عقوباته وأغرامه, وكل قتل معيب تضاعف دياته حتى تصل إلى أحد عشر ضعفاً أو ضعف الأحد عشر دية أو مضاعفاتها!! وحين تحترب القبائل فيما بينها ويتواجهون بمختلف أنواع الأسلحة خفيفها ومتوسطها وثقيلها, وتستمر الحرب أسابيع وأحياناً أشهراً, لايكون ضحاياها سوى بضعة جرحى برصاص راجع أو قتيل أو اثنين بنيران صديقة عن طريق الخطأ, فهم يعتبرون السلاح للردع وليس للقتل, وحمله مظهراً للرجولة وليس للاستخدام العشوائي, ولولا هذه الضوابط والأعراف لأفنت القبائل نفسها بكل ذلك النوع والكم من الأسلحة. في حين أن ضحايا المتواجهين بالسلاح بشأن خلاف حول أرضية في تعز بيوم واحد قد يساوي مجموعهم مجموع ضحايا أكثر من حرب قبلية دامت شهوراً عديدة!!. والمؤسف أن هذا السلوك المسخ والاستهتار بالأنظمة والقوانين وتضاد الأخلاق المدنية يصاحبه اليوم بتعز شعور سلبي عام, وفقدان الإحساس بالمسئولية المجتمعية وكأن كل فئة في المحافظة تعيش لمشاريعها الصغيرة في حدود جزيرة الذات المنقطعة عن خطوط المجتمع والوطن. ولا ندري لماذا كُتب على تعز أن تدفع - أكثر من غيرها- ضريبة ثقافة الكراهية وتتحمل ناتج التداعيات السلبية لحالة الانفعال الثوري للعملية التغييرية في الوطن!! لذلك نقول ونتساءل: لماذا لايتداعى رجال تعز من أحزاب وتنظيمات سياسية ومنظمات جماهيرية وشخصيات اجتماعية ومجالس محلية وشباب المحافظة بكل تحالفاتهم وكياناتهم الثورية إلى استشعار المسئولية الوطنية العامة, وتبنى ميثاق شرف تصطلح فيه تعز مع نفسها, وتسترجع من خلاله شخصيتها الحقيقية وروحها المدنية وأخلاقها المثالية وريادتها التاريخية؟! أم أنه سيظل على تعز أن تعطي وتضحي وتخسر على الدوام وتضيع فرصتها التاريخية لتستمر مجرد معبر للآخرين وكأنها تحمل لعنة قتل الذات؟! “إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” صدق الله العظيم. * عضو لجنة التهدئة بمحافظة تعز مسئول لجنة الوساطة الأولى.