إذا نجح المؤتمر الشعبي العام في المراجعة والنقد لأداء هيئاته في المرحلة الماضية فإنه بالضرورة سوف يخلق شروط صيرورته، وسوف يستنبط المعايير والمقاييس الملائمة لنموه البشري والعقلي، ومن ثم سيتجاوز كل ما من شأنه إعاقته أو اجتثاثه من خارطة العملية السياسية التي تستخدم حتى الآن أدوات متخلفة لتحقيق الأطماع وليس الطموحات المشروعة. وأمام قوى الحداثة في المؤتمر الشعبي العام وفي الأحزاب والتنظيمات السياسية والمجتمع بكامله تنتصب ملفات شائكة وفي الصدارة قوى الوهابية المتوحشة المتعسكرة ومشروعها السياسي المتخلف، وهذا الملف الخطير يتطلب سرعة اتخاذ الإجراءات لتحديث وتجديد بنى المؤتمر الشعبي العام بالتعاون غير المشروط مع قوى الحداثة داخل العملية السياسية الناشئة غير الراقية وفي المجتمع برمته. وإن من أولويات قوى الحداثة في المنطقة النظر إلى التوازن الاجتماعي والسياسي وتوازن القوى بجدية وصرامة، وعدم المساس بالمؤتمر الشعبي العام؛ حتى لا تتمكن الوهابية المتوحشة من التهامه وتصفية الحسابات السياسية والشخصية معه، بحيث لا تستطيع قوى الحداثة لوحدها مقاومة هذا المد الذي يحظى الآن بقبول مؤقت نكاية بقيادة المؤتمر الشعبي العام. ومن جهة أخرى لنطوِ التوازنات المطلوبة ليس لهدف الانجذاب إلى مرابع القوى التقليدية والبيوت السياسية الإقطاعية بل إلى الاتجاه نحو المشروع المستقبلي لقوى الحداثة المتركزة في: (1) ترشيد وإشاعة الثقافة العلمية، وهي الحامل الضروري والأساسي للبنى الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع. (2) تحقيق واقعي لإقامة الدولة القانونية في ظروف واقعية قوامها مجتمعات قبلية وبدوية متماهية مع بعضها البعض في مواجهة الحداثة الثقافية والسياسية. إن قوى الحداثة التي ندّعي وجودها الآن في مؤخرة القوى الاجتماعية والسياسية، ولم تتمكن من إيجاد أرضية مشتركة ونخبة متجانسة، وكذلك فإن ما يجري الآن في الجنوب أنموذج لاستعراض القوى التقليدية وبيوت الإقطاع السياسي التي ترفض التنازل عن المكتسبات التي حققتها خلال خمسين سنة، وعززت هذه الاستحقاقات خلال ثلاثة وثلاثين سنة، حيث جمعت عن طريق الاستبداد والفساد المالي والإداري بين السلطة والثروة. واستناداً إلى ما ضفرت به الانتفاضة من مكاسب على الأرض والتسوية السياسية الرخيصة التي صممتها فرقة العمل المكونة من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وإسرائيل والسعودية فإن فرزاً للقوى الاجتماعية والسياسية قد تم، وهو الآن يدفع القوى السياسية البحث في الاصطفاف عبر الاستقطابات المتاحة، ليتسنى لكل القوى الحضور والنصيب في ومن الكعكة ( السلطة والثروة). وهذا الواقع الجديد يفرض إعادة النظر بالتحالفات القديمة وآلياتها والانخراط في منظومة تحالفات جديدة، ترتكز على شبكة المصالح الحقيقية والقوى الاجتماعية ذات الوزن. إن المؤتمر الشعبي العام مازال أسيراً ومتقوقعاً في ذات الزمن والمكان الماضيين، وعليه التعجيل بالانتقال إلى موقع الحزب السياسي الذي يعيش ويفعّل خارج أجهزة القوة والاستقواء بالإدارة والأموال العامة، ولهذا الموقع الجديد بيئته وشروطه، وأهمها العمل وفقاً للقانون المدني. ومر المؤتمر الشعبي في درب مراحل متعددة متفرداً فمتحالفاً تحالفاً استراتيجياً مع الإخوان المسلمين ثم مع الإصلاح، وله تجربة جديرة بالتقييم الموضوعي؛ سلبياتها قبل إيجابياتها وسيئاتها قبل حسناتها, وصولاً إلى تحالف هزلي هش مع أشخاص، صنعتهم الأجهزة الأمنية، وصممت لهم كيانات مضحكة، استخدموا في الفترة الماضية تظاهرة صوتية لا تقدم ولا تؤخر، بل بهم خسر المؤتمر الكثير من الوقت ومن المال. والتكتيكات المرتبطة بالسلطة المطلقة والاستراتيجيات غير المدروسة هزمت المؤتمر هزيمة نكراء من داخله، وفجرته بالتزامن مع التطورات العاصفة في المنقطة. لذلك على المؤتمر أن يلقي التحية على الماضي، وينصرف إلى المستقبل، وبداية عليه إدراك أن العسكر في صنعاء لا علاقة لهم بالثقافة الحزبية ولا يمتون بصلة لرجالات الحزب، وهم بحاجة إلى الانتقال إلى العمل المدني لفترة خمس سنوات، خلالها يتلقون التدريب والتأهيل اللازمين, وعلى المؤتمر ألا ينتظر الزمن المهدر، بل عليه الالتفات إلى خارطة القوى الاجتماعية والسياسية التي ينبغي التحالف معها على أسس سياسية وانتخابية قريبة المدى وبعيدة المدى, وهذه القوى الاجتماعية تتشكل مصالحها في الواقع وليس في الشعارات، وعليه ألا يخدع نفسه بالظاهرة الصوتية التي يستخدمها في المواسم..إنه السباق الجاد والشفاف على الشارع وعلى القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في العملية السياسية.