أوصى سقراط بمعرفة النفس”اعرف نفسك”، وجاء في الحديث الشريف:”من عرف نفسه عرف ربه”، وقال الإمام علي رضي الله عنه: “رحم الله امرأً عرف قدر نفسه واستعد لرسمه وعرف من أين وفي أين وإلى أين”؟. حينها يدرك لماذا فشل يوماً؟ ولماذا فرصٌ عديدة في حياته تبخرت من بين يديه وذهبت هباءً منثوراً؟ ولماذا كل جهوده المضنية قد ذابت ثمارها كما يذوب الثلج تحت أشعة الشمس الحارقة..؟ لكن للأسف، ثمة من يصل إلى درجة من اليأس والقنوط والتذمر عندما يجد أن الصورة التي رسمها في ذهنه - أقصد “الوهم” - قد تلاشت، حينها سيسقط في دوامة الريبة وسوء الظن وعدم الثقة في أقرب الناس إليه وربما في نفسه..! وهكذا يدفع البعض نفسه دفعاً إلى مهاوى التخبط والأضاليل والأخطاء، ليصل معها إلى فرض إمكان اليقين في إصابته بالشفعية المرضية أو الأوهام النفسية كما يوهم المنوم المغناطيسي وسيطه بأفكار مختلفة..! ولهذا نصادف اليوم الكثير من اليائسين من كل شيء تتناثر منهم كلمات قانطة شامتة تنبعث من جثث ناطقة وسائمة، لا هدف لها ولا موقف ولا رأي، وكأنها تصر إصراراً على الانضواء ورفض التفتح على الواقع والتغيير، مستعدين للدفاع عن اليأس والفشل حتى آخر دمعة. والأغرب من ذلك أنهم يبررون فشلهم بقذف”سلاطة” من التهم للآخرين؛ بدعوى أنهم سبب فشلهم، لكنهم تناسوا أن فاقد الشيء لا يعطيه، وهذه بديهية تفرض نفسها علينا فرضاً. ولو أن هذا “النوع” من منفصمي الشخصية ومهزوزي النفوس سخروا سعيرهم وعناءهم للبحث عن هوية مفقودة وكرسوا جهودهم لمراجعة الذات بمصداقية وشجاعة لأدركوا في أي درك صار حالهم من فقدان التوازن نتيجة من سلوكهم غير السوي..! حينها المرء من هؤلاء يمكن له استعادة الصواب والاهتداء إلى سواء السبيل والتحول إلى رجل له كلمة وموقف، بعد أن كان أداة هشة للبؤس والهدم.. لينفع نفسه وينتفع به الآخرون (عش من أجل غيرك) “كونت”؛ لأن الغيرية تعود بالنفع على صاحبها..! ولربما استطاع هؤلاء الاستفادة من مرارة الفشل والخروج من نفق التذمر والغيرة والحقد على كل ما هو ناجح في هذا الوطن.. ولربما تحرروا من التحجر والعقد النفسية؛ حيث إن شقاء العقول الفجة الرديئة أحياناً ضرورة لها منفعة كضرورة حرارة الشمس المحرقة لنضوج الثمار غير الناضجة: فلولا القبح ما عرف الجمال ولولا النقص ما عرف الكمال.