سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    وكالة دولية: الزنداني رفض إدانة كل عمل إجرامي قام به تنظيم القاعدة    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صاحب «أذان في مالطة» الكاتب والمترجم أحمد صالح الفقيه ل«أفكار»:
النخب الثورية في الأنظمة الجمهورية تسلط عليها هاجس أهل الثقة على أهل الكفاءة
نشر في الجمهورية يوم 09 - 03 - 2011

^^.. لك اهتمامات نوعية وملفتة بدراسة الحضارات الشرقية وتاريخها، ما وجه هذا الاهتمام الملفت؟
في الواقع الاهتمام ظرفي، وقد كتب المسلون قديما في الأديان المقارنة كابن حزم والشهرستاني وهذا عمل غير مسبوق بشهادة الغرب، وقد كتبوا بمنهجية علمية راقية وغير متحيزة ربما لا نكاد نجد اليوم من يضارعهم في هذا الجانب، وقد قادني اطلاعي على ما كتبه المسلمون القدماء في الأديان المقارنة إلى الاطلاع على تاريخ الحضارات القديمة وأديانها وثقافاتها، ومما لفت انتباهي أولا ما حاول به بعض الكتاب الغربيين تحديدا من وضع فواصل وفوارق بين الإنسان الغربي والإنسان الشرقي، وكأنما الفارق تكويني أرومي بين الطرفين! ويتكلمون عن الحضارة الغربية أو الثقافة الغربية بأنها قائمة على النظر العلمي والمنطقي بعيدا عن الغيبيات والمسلمات الموروثة، واطلعت أولا على الحضارة الإغريقية ووجدت الأمر خلافا لما هو عليه في نظر هؤلاء الكتاب، الإغريقيون كانوا متدينين أكثر منا، وكانوا أيضا أكثر تعلقا بالخرافة من الشرقيين!
^^.. كيف يجتمع الدين والخرافة؟
طبعا الميثولوجيا الإغريقية فيها عدد كبير من الآلهة والكائنات الأسطورية ترتبط بأيديولوجيا متكاملة تبدأ من كيفية بدء الخلق مرورا بحياة الإنسان وانتهاء بمصيره وانتهائه..
^^.. من المعروف أن هذا كان قبل نزول الأديان السماوية، فمن أين تشكلت الروافد الثقافية والفكرية لهذا العلم أو حتى الميثولوجيا؟
ثمة روافد آرية، وروافد هندوسية أيضا، مثلا قضية تناسخ الأرواح هي عند فيثاغورس وعند الهندوس أيضا، تعدد الآلهة، كان في كل غرفة من غرف المنزل آلهة، آلهة في غرفة الأطفال، آلهة في غرفة الطعام، آلهة في غرفة الضيوف، ودائما ما تقدم لهم القرابين ودائما ما يتعلق المسرح الإغريقي والأدب الإغريقي بهذه التراجيديا ومصير الإنسان.
^^.. ما وجه التشابه بين الحضارات القديمة كالإغريقية من جهة والحضارة البابلية والآشورية وكذا الفرعونية والسبئية؟
هناك تشابه كثير، وهناك عناصر مشتركة بين معظم هذه الديانات، خاصة في الأمور المتعلقة بالعقائد، هناك آلهة، للخصب، في كل الديانات، هناك آلهة للخير، هناك آلهة للخمر، وهذا نلمحه في كل الأديان، وهذا حصل عن طريق التبادل التجاري والرحلات القديمة بين مختلف الشعوب، ودائما مع التجارة تنتشر الأفكار، والناس إذا أحبت شيئا تبادلته.
^^.. البعض يقول بأن الحضارة الهندوسية دخيلة على الهند نفسها، هل صحيح ذلك؟
الحضارة الهندوسية آرية انتقلت من أفغانستان إلى الهند، وكانوا كما تذكر المصادر التاريخية مقاتلين أشداء، ولهذا تغلبوا على السكان الأصليين في الهند، فطوعوا العقيدة أو الدين لصالحهم ما جعلهم يستعبدون الآخر، ففي الديانة الآرية القديمة توجد ثلاث طبقات البراهمان، وهو ذو مكانة عالية، ويأتي بعدهم “الكشاترية” وهم المحاربون، ثم الطبقة الثالثة وهم الصناع والحرفيون، وهذا تراتب ديني عندهم خلقهم الإله من أجزاء معينة من جسده، ولما وجدوا فصيلا رابعا وهم الهنود القدماء قالوا هؤلاء خلق آخر دون سائر الخلق، خلقهم الإله من مخلفاته! فأصبحوا طائفة منبوذة، قد صيغت الأفكار الدينية بصورة تؤبد هذا الفكر الاجتماعي حتى الآن، وهم محتقرون إلى اليوم، إلى درجة أنه لو مر بظله على البرهمي مثلا فإن على البرهمي أن يغتسل ويغسل ملابسه منهم، إذا لمس صحن الطعام فهو نجس، وإن كان البعض قد بدءوا بمحاربة هذه الظواهر.. وهؤلاء البراهمة يعيش أربع مراحل مهمة في حياته، هي مرحلة الدراسة أولا، ثم مرحلة الذهاب إلى الغابة، ثم العودة إلى الحياة ويتزوج، البدء في أداء طقوس الكهانة، وقد بقي بعض هؤلاء في الغابات، ونظموا المقاطع الطوال من الشعر الروحي الفلسفي، وكأنما تصوفوا، والغريب أن التصوف الإسلامي عندنا في بعض أوجهه كما لو أنه منقول نقلا، وعندما تقرأ “الأوبانيشاد” وهو الملاحم التأملية الخاصة بهم تجد أن تصورهم عن الله هو نفس التصور الإسلامي، وقد ترجمتُ بعض هذه النصوص إلى العربية.
^^.. ما الذي لفت نظرك في هذه الأديان جميعا؟
ما لفت نظري الجامع المشترك بين كل الأديان هو ذلك التسامح في الفلسفة التي تحملها الأديان، وهناك أيضا جانب متشدد ومتعصب، فهم الدين على ضوء مزاجه ونفسيته، هناك المتعصبون والمتشددون الذين يحولون الدين إلى منتهى القبح، وهناك المتسامحون والمعتدلون في كل الأديان، وبلا استثناء.
^^.. سؤال يطرح نفسه هنا، هل كان التصوف الإسلامي نتاج تأثر وتأثير بالمجتمعات المجاورة لنا من الهند تحديدا أو فارس لاسيما ونحن لم نعرف التصوف في المجتمع العربي بحكم جفاف البيئة الثقافية إلى حد ما؟
في مرحلة مبكرة من التاريخ الإسلامي انساحت الجيوش الإسلامية في الشرق وبالذات في الهند وفارس، هاتان البلدتان كانت الفلسفة الهندوسية والغنوصية قد أسست نفسها إلى حد كبير في ذلك الوقت، ولما جاءت الفتوحات الإسلامية الأولى حصل التلاقح الفكري وحصل التأثر والتأثير، وكان في الجيوش الإسلامية رجالات فكر استوعبوا هذه الثقافة وتأثروا بها ونقلوها إلى المجتمع الإسلامي..
^^.. هذا عن الهندوسية وملامحها، ماذا عن البوذية؟
البوذية جاءت رد فعل للتشدد والتعصب الهندوسي المستغل، الذي أذل الهنود الأصليين، الناس في نظرهم تسكنهم روح كبرى، هذه الروح قادرة على صنع ما هو جميل وخلاق ومفيد، بعيدا عن الثقافة الهندوسية، وقد استقطبت الكثير ممن يمكن أن نسميهم المهمشين بلغة اليوم، ولذا تجد أدبهم راقيا جدا وهو نابع من تعاليم بوذا الراقية نفسها..
^^.. إذن كيف يمكن أن نوظف هذا التراث الذي يدعو إلى التسامح والتعايش بين مختلف الأديان ونستفيد منه في عالم متوحش، أجهدته المادية والنفعية الآنية بعيدا عن القيم والأخلاق؟
أولا علينا بالكفاح الإنساني من أجل الخلاص من الظلم الذي يلاقيه الناس، أياً كان، محلياً أو أجنبياً، البحث عن الحرية في أجلى وأجمل معانيها، لأن الحر لا يستعبد. وهذا يعيدنا إلى دور البحث عن الفلسفة باعتبارها الرافعة التي تصل بالإنسان إلى أن يمارس إنسانيته، وتبدأ بما ينبغي الابتداء به، بالتساؤل، بالبحث، بالنظر، يبدأ الإنسان باكتساب الحرية على المستوى الفكري ثم على المستوى المادي والمعيشي.
^^.. لماذا مثلت رافعة في المجتمع الأوربي، وخاصة منذ بداية عصر التنوير في الوقت الذي حوربت فيه عندنا في المجتمع الإسلامي؟
ربما أنت عندنا تحقيب غير صحيح، النهضة الإسلامية انتهت بدخول التتار بغداد عام 656ه، ووضع حد للنهوض بالمجتمع الإسلامي، بعد ذلك لم يأت إلا الانحدار، والناس إذا ما بدءوا في الانحدار يبدءون في التقوقع، ومن معالم ذلك اتساع دائرة المحرمات والممنوعات، لأن كل تساؤل أو استفسار حول أية فكرة ما يعتبر هجوما، يدافع عنه البعض بالعنف، ومع هذا يسدل الظلام ستوره..
أضف إلى ذلك أن الفلسفة جاءت عقب تذمر كبير من الناس تجاه الكنيسة، وتزامنت مع حصول قطيعة نفسية بين العامة من الناس وبين «الإكليروس» من رجال الدين فتشبث الناس بها، عندما وصلهم فكر ابن رشد تشبثوا به كثيرا واحتفوا به، فكانت رافعة للفكر وقد تم تشجيعها من قبل الكثير، الفلسفة ابتدأت في ظرف تاريخي مواتي وملائم فاقتنص المفكرون آنذاك النهضة، أما عندنا في الفكر الإسلامي فالفلسفة نشأت في بداية الانحطاط والتخلف..
^^.. ربما أنه حصل نوع من الارتكاس المعرفي منذ القرن الرابع الهجري فما بعده من قبل سقوط بغداد، أضف إلى ذلك أن غلبة النزعة العقلية على الفكر الوعي العام آنذاك قد مثلت بدورها عاملا آخر في التراجع..؟
أعتقد أن ثمة بعض من الإبداع حصل بعد ذلك، فيما سمي بعصور الانحطاط، مثلا: عندما أقرأ في علم الأصول، أجد علما مدهشا، صحيح أن الفكر الإسلامي حينها ارتكز على النص ثم شرح النص ثم شرح الشرح لفترة، لكنك ستجد من خلال هذه الشروحات والاستفاضات إجابات شافية وكافية، لكل ما فكر فيه وأجاب عنه بعد ذلك فلاسفة غربيون كبار، مثل دريدا، وسوسير، أو راكان، وهؤلاء من الشاغلين لدنيا الناس اليوم، وكان ثمة تساؤلات مهمة حول النص في هذه الشروح.. هناك كالكثير من الخصب في تراثنا لولا أن بعضاً من جيل نهضتنا المعاصرين أفقروه وشوهوه..
^^.. برأيك لماذا قمعت الفلسفة وحوربت واتخذ الفقهاء منها موقفا معاديا؟
لأنها تتساءل، تفتح الآفاق، والفلسفة لها جوانب متعددة، منها ما هو قائم على الإيمان بالغيبيات فتفسح مجالا كبيرا لذلك، ومنها ماهو قائم على العقل الخالص التجريدي وهو الجزء الأكبر منها، فتسأل أسئلة محرجة؟ كيف جاء البراق؟ السبع السماوات مم خلقت؟ أسئلة كثيرة من هذا القبيل محرجة، فاتخذ منها المتعصبة موقفا..
^^.. بقدر ما يتساءل هذا الجانب الفلسفي في مجال كهذا ويطرح هذه الأسئلة المحرجة.. هل يستطيع الإجابة عنها؟
ليس بالضرورة، هي ممارسة للبحث والتحري، الناس لا يصلون إلى ما يشبه اليقين حتى في كل الأمور حتى في العلم، هناك إيمان بالغيبيات حتى في مجال العلم، أنت تؤمن أن هناك إلكتروناً، وأن هناك نيتروناً، هل رأيت واحدا منهما؟ هل رأيت الكهرباء؟ مثلا في الفيزياء لا نرى الجسيمات الصغرى..لكننا نرى تأثيرها في الأشياء، السؤال هنا: هل ثمة تأثير مادي محسوس على الإنسان؟ أقول: الإنسان هو جهاز القياس، والدين له تأثير مادي محسوس على الإنسان ويغير من فكره وسلوكه، وقد يكون التأثير إلى الأسوأ، وقد يكون إلى الأحسن! وهذا يعتمد على نوعية المذهب الذي ستعتنقه، أو الفكر الذي ستفهمه، ونوعية التعاطي والتعامل معه. وفي النهاية أهم ما في الفلسفة الانفتاح العقلي على الأشياء انفتاحاً لا يرفض البحث في أي شيء. ومن وقف ضد الفلسفة فإنما نتيجة للجهل مع أنه قد يكون مخلصا لدينه، لكنه جاهل، ومنغلق على نفسه، وهناك من يفهم ويقدر الأمور قدرها لكنه من أصحاب المصالح. من مصلحته أن تستمر عليه الهالة وتسلط عليه الأضواء في المجتمع لأنه مستفيد من ذلك ماديا.
^^.. هل هذا هو السبب في قمع السلطات التاريخية السابقة للفلاسفة جميعا في حين شجعت الفقهاء التقليديين؟
طبعا، الفيلسوف يطرح أسئلة محرجة للفقيه وللسلطة معا وكلاهما ممسكان بالسلطة السياسية والدينية ويستعين كل منهما بالآخر لكي يفرض سلطته على الناس..
^^.. من منظور فكري وفلسفي خالص كيف تقرأ ما حصل خلال الأيام الماضية من عملية تحول سريعة في بنية المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي على امتداد الوطن العربي؟
هناك حقائق كبرى حدثت في هذا العالم خلال المائة السنة الماضية هو التحول التدريجي إلى القرية الكونية الواحدة، بمعنى القدرة على انتقال الأفكار ورؤية الحوادث والتعايش معها، التعرف على المجتمعات المتعددة، التي قطعت شوطا كبيرا في الحياة بينما لا نزال نحن نراوح في مربعاتنا بسبب ثقل الموروث وسيطرة المستفيدين من بقائه، هذا الثقل الكبير وجد مقاومة من قبل الناس، لكن ربما كانت الوسائل كليلة، فلم يستطيعوا أن ينعتقوا من قبل فترة، لكن الآن ربما أفسح المجال أحسن وتوسعت دائرة المعرفة أكثر خاصة بعد سقوط أحد القطبين العالميين. الآن وقد بلغ السيل الزبا شب الناس عن الطوق، واستطاعت الحاجة أن تفرض نوعا من التغيير الذي لا يكلف كثيرا، أحداث تونس لفتت الانتباه إلى حدث جديد غير مجرب على الساحة، التغيير بلا ثمن كبير.
^^.. هناك من يقول إن هذا الأحداث مدفوعة من قبل قوى أخرى خارجية؟
لا شيء.. الأحداث بدأت من غضب أهل مدينة صغيرة تعاطفا مع صاحبهم تجاه النظام فتوسع أكثر وأكثر، حتى شمل الدولة كاملة، وهذا ينفي كونها مدبرة، وأعتقد أن قوة المثال والنجاح المفاجئ هو الذي لفت الأنظار إليها بهذه الصورة، من هذه العملية التي لم يمض عليها غير شهرين تقريبا تبلورت عدة مبادىء كتبتها في مقال بعنوان: المحددات العشر لثورات الشعوب ونشرت في أكثر من موقع. هذه المبادىء تشكل الدليل النظري للثورات المعاصرة.. هذه الثورات بشكل عام هي نتاج معاناة كبيرة جدا لعقود طويلة من الزمن، وأتوقع أن تصل هذه الحركة إلى دول أسيوية وغير عربية كثيرة، هذه موجة كموجات سابقة حدثت قبلها ابتدأت من عام 52 بثورة مصر الشهيرة حتى ثورة الفا تح من سبتمبر عام 69م، ليست قابلة للانحسار ولا للانكسار، ساعدها بروزا وتمددا الغياب الذي كان حاصلا بين المعسكر الشرقي والغربي..
^^.. هل لهذا علاقة بما سمي الشرق الأوسط الجديد؟
لا أعتقد ذلك. الشرق الأوسط الجديد لا يستلزم ظهور مجتمعات حرة، المجتمعات الحرة لا يمكن لها على الإطلاق أن تقبل بتسيد كيان غريب عليها، هناك كلمة أذكرها الآن للكاتب حمدي قنديل، قال: إذا أراد العرب أن يتحرروا من إسرائيل، فعلى كل شعب من الشعوب أن يتحرر من إسرائيلييه!! ، لكي يتمكنوا من تحرير فلسطين.
^^.. أين ذهبت مخرجات الثورات أو الانقلابات التي حدثت في القرن الماضي وأشرنا إليها قبل قليل؟
الذي حصل أن النخب انعزلت عن الجماهير، فتعاملت مع جماهيرها بأدبيات الاستشراق التي كانت لدى المستعمر، ورثها عنه الانقلابيون الجدد، هنا حدثت مفارقة، عندما رحل الاستعمار خلف لها أنظمة قائمة على حكم القانون، وحكم القانون معناه تقرير للحقوق العامة، فلما جاءت هذه الأنظمة الثورية الجديدة فعادت بنا إلى صياغة المجتمع إلى ما يمكن أن يسمى بالحق الأخلاقي، وهو مفهوم قريب من حق الدولة الدينية، مفهوم مفروض عليك لا تستطيع رفضه أو مناقشته، ابتعدوا عن ثقافة العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، فمثلت هذه الانقلابات على الصعيد الحقوقي نكسة من حيث يدرون ولا يدرون، اللورد كرومر في مصر جاء بعد الخديوي إسماعيل وهو الحاكم المبذر الذي أدى إلى إفلاس المالية المصرية، فبنى كرومر الأسس الأولى للدولة الحديثة في مصر، أعاد العافية إلى الاقتصاد، أسس قوانين البنوك والمصارف، والاستثمار، وضع قوانين المؤسسات الدستورية كالأحزاب والبرلمان وغيرهما، وكان الإعلام الثوري بعد ذلك يوجه نقده إلى اللورد كرومر أكثر مما يوجهه للملكية، كما لو أنه خصم شخصي، مع أن اللورد كرومر قد شبع موتا، وقد أدى هذا التراجع في المنظومة القيمية والقانونية إلى النكسات والهزائم المتتالية..
^^.. أين ذهبت النخب الثقافية المعارضة في المجتمع؟
هم عجينة واحدة النظام والمعارضة، يحملون أفكارا معلبة وجاهزة وكل منهم يريد فرضها على الناس، وانظر الذي هو معارض في هذا البلد هو حاكم في البلد الثاني! مثلا: الناصري في مصر كان حاكما، بينما كان في سوريا معارضا، البعث في العراق أو سوريا حاكم، لكنه معارض في مصر! وهلم جرا على طول البلاد وعرضها، كلهم أصيبوا بفشل ذريع كونهم لم يحتكموا إلى قانون مدني راق، بل إلى ما يمكن أن يشبه العرف. يريدون أن يقولبوا شعبا كاملا على نظرة معينة واحدة لا غير. وأعتقد أن هذا هو سبب الفشل الذريع الذي منيت به الأمة العربية، من كان يحمل مبرر وصوله إلى السلطة الوحدة العربية الكبرى كان هو أول من انقلب عليها!
^^.. ثمة مفارقة عجيبة نشهدها اليوم في مسيرة الثورات الحديثة وهي انطلاقها من بلدان جمهورية وكان الأصل أنها تبدأ من الدول الملكية في المنطقة لا من الجمهورية.. ألا ترى أن ثمة معادلة طردية في المشهد؟
إلى حد ما فشلت الجمهوريات ونجحت الملكيات، الأنظمة الملكية كانت أنجح من الجمهورية، الأنظمة الملكية اقتنعت بتبعيتها للغرب وتحالفت معه، فأمدها بنوع من الخبرة على الأقل من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية، إضافة إلى أن هذه الدول اكتسبت حماية دولية، واكتسبت خبرة سابقة لم تنقطع على مدى عقود بسبب الثورات، النخب الثورية في الأنظمة الجمهورية تسلط عليها هاجس أهل الثقة على أهل الكفاءة فأدى هذا إلى التخلص من الكوادر، ودائما ما كانوا يبدءون من الصفر، والعجيب أن أهل الثقة هؤلاء ليسوا أهل ثقة بالنسبة للنظام السياسي، هم أهل ثقة للحاكم، لا، النظام السياسي في الجمهوريات اختزل من الحزب إلى المكتب السياسي، إلى الرئيس وعشيرته، فأصبح المنظور ضيقا، وحصل الفشل. الملكيات كانت أنجح، وأتذكر هنا فكرة أظنها ل«لينين» وهي عن ما سماه التصويت بالأقدام، من أين يهاجر الناس وإلى أين يهاجرون, وكل دولة جمهورية يمكن أن تقابلها دولة ملكية موازية لها ومشابهة لها في كثير من الأمور، مثلا ليبيا ذات الطفرة البترولية الكبيرة والسكان القليل مع الإمارات المتشابهة معها إلى حد ما، كذلك مثلا العراق والسعودية وهكذا. والخطأ نشأ أساسا في فلسفة الحكم. الدولة في الأساس منفصلة عن شخصية الحاكم، الدولة يجب أن يكون فيها أسس مستقرة لإدارتها، يجب أن يكون فيها خبرات متراكمة، لكن عندما يأتي جيش أو حزب ويبتلع الدولة، أو تأتي عشيرة وتبتلع الدولة يحصل تغيير في بنية النظام المؤسسي للدولة الدولة هنا تموت وتنتهي، والنماذج كثيرة على امتداد الساحة العربية.
^^..توقعاتك للمشهد القادم على الصعيد الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي؟
توقعاتي أن ما حصل اليوم زلزال وستتغير المنطقة بكل تأكيد هذا تسونامي سيغمر البلاد العربية بملكياتها وجمهورياتها، وستنشأ دول قائمة على أسس الحقوق الاجتماعية أكثر حصافة وأكثر دقة من سابقتها وأقدر على تحقيق طموحات شعوبها، الشعوب ستكون حاضرة بقوة في أمر الرقابة على مواردها ومقدراتها. هذه العملية أدت إلى شفاء جماعي من أمراض مزمنة، ستتعرض المنطقة لإعادة صياغة في المنظومة القيمية والأخلاقية بشكل عام.
^^.. شهدنا حضارة سبئية عملاقة قديما وتقاربت زمنيا مع الحضارة اليونانية إلى حد ما، لكننا سمعنا عن كم هائل من الموروث الفكري الفلسفي والعلمي في الوقت الذي لم نجد غير آثار بائدة عن حضارتنا القديمة فقط..أين سقراط سبأ وأفلاطونه، على الرغم من أن الحضارات اليمنية القديمة لا تقل عن حضارة أثينا؟
حصل انقطاع كبير وضاعت اللغة السبئية لفترة طويلة، وقد تعرض الموروث المصري لنفس الأمر تقريبا غير أن الموروث هناك وجد من يقرؤه ويتابع بشأنه، راجعوا حضارتهم واطلعوا عليها، عندنا لا تزال آثارنا مدفونة تحت الأنقاض، حصل أيضا سوء تعامل مع هذا الموروث، كثيرون يأخذون الآثار في المدن الأثرية ويبنون بيوتهم به! جاء هذا الوقت وحصلت عملية متاجرة بالآثار من قبل نافذين.
^^.. كتب الفيلسوف الفرنسي المعروف روجيه جارودي عن الأصوليات المعاصرة في الوطن العربي التي تهدد حاضره ومستقبله، إلى أي حد تتفق معه؟ ثم ما هي نظرتك لهذا الغول المدمر؟
أعتقد أن الأصولية حاضرة عبر التاريخ ماضيه وحاضره، وهي نتيجة أكثر منه سبب، الأصولية هي حالة نفسية “سيكولوجية” تؤدي إلى ما يظن أنه ظاهرة ثقافية، سببها الرئيسي شعور أصحابها بالتهديد، عندما يحس الناس أن ثمة مهددا من نوع ما يتجهون إلى التقوقع والتحيز والتعصب فيستميتون من أجله بشراسة، وهذا ينطبق على كل الأصوليات، نعيش الآن مثلا خطر الأصولية الوهابية التي تنتشر انتشار النار في الهشيم بفكر منغلق ومتقوقع على الذات..
قرأت مقابلة قبل أيام مع الشيخ محمد المهدي أحد الرموز الوهابية في اليمن أنهم في جمعيتهم بنوا سبعمائة مسجد، وطبعا هناك أموال استنزفت لبنائها، هذه المساجد أحدثت نوعا من الفرقة بين الناس، في منطقتي مثلا التي يتواجد فيها زيود كانوا من سابق يصلون مع الشوافع وبلا أي حرج، كما يصلي معهم السنة، اليوم كل جماعة تصلي لوحدها، هذه الأصولية الخطيرة تهيئنا لحرب على مستوى الجذور، وعلى مستوى القاعدة مستقبلا قد تؤدي إلى مآسي.
نخب النظام والمعارضة عجينة واحدة ، يحملون أفكارا معلبة وجاهزة وكل منهم يريد فرضها على الناس
المساجد أحدثت نوعا من الفرقة بين الناس
علينا بالكفاح الإنساني من أجل الخلاص من الظلم الذي يلاقيه الناس
الإغريقيون كانوا متدينون أكثر منا، وكانوا أيضا أكثر تعلقا بالخرافة أكثر من الشرقيين!
الجامع المشترك بين كل الأديان هو التسامح في الفلسفة
هناك كالكثير من الخصب في تراثنا لولا أن بعضا من جيل نهضتنا المعاصرين أفقروه وشوهوه..
الفيلسوف يطرح أسئلة محرجة للفقيه وللسلطة معا وكلاهما ممسكان بالسلطة السياسية والدينية ويستعين كل منهما بالآخر لكي يفرض سلطته على الناس..
الاستعمار خلف أنظمة قائمة على حكم القانون، وحكم القانون معناه تقرير للحقوق العامة، و الأنظمة الثورية الجديدة حكم الحق الأخلاقي، وهو مفهوم قريب من الدولة الدينية
الأصولية الخطيرة تهيئنا لحرب على مستوى الجذور، وعلى مستوى القاعدة مستقبلا قد تؤدي إلى مآس.
هناك تشابه كثير، وهناك عناصر مشتركة بين معظم هذه الديانات، خاصة في الأمور المتعلقة بالعقائد.
عندما تقرأ “الأوبانيشاد” تجد أن تصورهم عن الله هو نفس التصور الإسلامي، وقد ترجمتُ بعض هذه النصوص إلى العربية.
الثورات بشكل عام هي نتاج معاناة كبيرة جدا لعقود طويلة من الزمن، وأتوقع أن تصل هذه الحركة إلى دول أسيوية وغير عربية كثيرة
قمعت الفلسفة وحوربت واتخذ الفقهاء منها موقفا معاديا لأنها تتساءل، تفتح الآفاق
هناك المتعصبون والمتشددون الذين يحولون الدين إلى منتهى القبح، وهناك المتسامحون والمعتدلون في كل الأديان، وبلا استثناء.
كتب المسلمون قديما في الأديان المقارنة كابن حزم والشهرستاني ، وقد كتبوا بمنهجية علمية راقية وغير متحيزة ربما لا نكاد نجد اليوم من يضارعهم في هذا الجانب.
الفلسفة ابتدأت في ظرف تاريخي موات وملائم فاقتنص المفكرون آنذاك النهضة، أما عندنا في الفكر الإسلامي فالفلسفة نشأت في بداية الانحطاط والتخلف..
الإنسان هو جهاز القياس، والدين له تأثير مادي محسوس على الإنسان ويغير من فكره وسلوكه، وقد يكون التأثير إلى الأسوأ، وقد يكون إلى الأحسن!
الذي حصل أن النخب انعزلت عن الجماهير، فتعاملت مع جماهيرها بأدبيات الاستشراق التي كانت لدى المستعمر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.