عند ما كتب أحدهم عن الرجل الذي عاد إلى بيته بعد الظهر، وتفاجأ أن البيت خالٍ من طعام الغداء، لأن زوجته كانت تثرثر على الهاتف حتى وقتٍ متأخر من بعد الظهر، فما كان من ذلك الرجل وأبنائه العائدين من المدرسة ومع حرارة (الجوع) وبطونهم الخاوية إلا أن داروا في غرف البيت وحجراته يتقدم الموكب والدهم صائحين «البيت يريد إسقاط المرة..!!». ويبدو أن تلك (الحادثة) لم تكن آخر مفاجآت (نسائم الربيع العربي) وليس آخرها، طلاب (جامعة صنعاء) الذين خرجوا ليعبّروا عن احتجاجهم حتى تنظر الجهات المختصة إلى مطالبهم ومعاناتهم..!! و الحادثة تكرر نفسها، لكن هذه المرة في مكانٍ غير متوقع.. وهذا يدل على أن أبناء هذا الوطن استيقظوا من سباتهم الطويل وباتوا يفهمون حقوقهم تماماً.. ففي منطقةٍ كمدينة (المحابشة) التي دائماً ما تكون آخر من يستيقظ من ليله الطويل فاجأت مجموعة من طالبات مدرسة (22 مايو الثانوية للبنات) بمدينة المحابشة بعد أن اتفقن جميعهن بألا يدرسن ولا يستجبن للإدارة أو المدرسين والمدرسات.. ووقفن وقفة احتجاجية واحدة في (حوش المدرسة) على مُدّرسة مادة (الحاسوب) التي أشبعتهن دروساً (تخيّلية)حسب تعبير الطالبات، حيث إنه لم يتوفر بالمدرسة حتى جهاز واحد لتطبيق دروس الحاسوب.. وكلما دخلت عليهن تلك (الأبله) حسب إخواننا المصريين تقول لهن: (تخيلن الآن أنكن تُمسكن بالماوس، وأنكن تكبسن بأصابعكن لوحة المفاتيح، وتدخلن من قائمة ابدأ، وتصعدن إلى شريط المهام، وتهبطن إلى أسفل الشاشة....) و... و...إلخ ذلك الخيال العجيب الذي اخترعته تلك المدّرسة (الجهبيذة)، فبدلاً من أن تقول لإدارة المدرسة أن ذلك غير معقول استمرت (بتطفيش) الطالبات فاتفقن جميعهن بعد أن ضقن ذرعاً (بالخيال والأوهام) فقلن بصوتٍ واحد (كفى ضحكاً على عقولنا)، فتمردن على إدارة المدرسة بعد طابور الصباح وقررن ألا يستجبن لحصص ذلك اليوم حتى يوجدوا لهن أجهزة كمبيوتر أو إلغاء تلك المادة..!! رغم أن إدارة المدرسة طالبت الجهات المختصة بتوفير الأجهزة، لكن دون جدوى.. وعند وقفة الطالبات الاحتجاجية نقرأ ما وراء سطورها..!! فهل يُعقل أن تدرّس مادة كمادة (الحاسوب) في القرن الواحد والعشرين بالخيال في مدارسنا الحكومية..؟! وأين هي وزارة التربية والتعليم من مدارس الأرياف والمناطق البعيدة عن مركز الدولة..؟! ما هذه السخرية من عقليات النشء.. ونحن في زمنٍ بات الكمبيوتر من أهم متطلبات الحياة ولا يستغنى عنه في كل المجالات.. باستثناء مدارسنا الحكومية التي لم تخجل من وضع (مادة الحاسوب) دون توفير أجهزته بالمدارس.. وخاصةً مدارس الأرياف التي أصبحت (غنماً بلا راعي) حسب تعبير (جارتنا لطيفة)..!! هذا وضع مدارسنا الحكومية.. في زمنٍ باتت فيه (كلاب أمريكا) تأخذ دروساً في التعامل مع أجهزة (اللابتوب) المحمول باللمس، ومدارسنا مازالت تتخيل أن (تُمسك الماوس)..!! مما سبق أعلاه نقول إن (ثقافة الاعتصامات) فتحت أعين الشعب الذي صمت طويلاً عن حقوقه.. وبات الآن يتنفس الحرية.. وهيهات هيهات أن يعود إلى الوراء.. ولكن وآه من هذا الاستدراك يجب أن تكون تلك الاعتصامات في وقت ومكان مناسبين.. وليس بأن تصبح هماً يؤرقُ من يسكن جنب (الخيام) أو يقطع طريقاً لعابريّ السبيل.. كما يحدث لسكان حي الجامعة.. وما يحدث لطلاب الجامعة من تعسفات (الفردة) الأولى مدرّع...!! أو كما قال أحد كتّاب «الجمهورية» قبل أيام بألا تصبح (فوضى الاعتصامات)! وعند توفر المكان والزمان المناسبين نقول بكل اعتزاز: نوّرتنا ياثقافة غابت عنّا زمناً طويلا.. والآن أصبحت تجري مجرى الوريد في الدم.. فزيدينا وعياً بحقوقنا المسلوبة..!! [email protected]