نتضرع إلى بعض الكتاب والصحف والقنوات الفضائية الخاصة وكل وسائل الإعلام المحلية، ولا نستثني مستخدمي الفيسبوك والتويتر الكف عن التنابز بالألقاب والتنقيب عن المفردات والتسميات الحاطة من الكرامة مهما كانت أفعال الشخص من أجل الله للمساعدة على التهدئة، وخلق الأجواء الملائمة للانتقال السلمي للسلطة. ما معنى أن نقرأ، أو نسمع، ونشاهد ألفاظاً في جانب إعلامي خاص ك عفاش.. المسخ.. الرئيس أو عناوين كمثل “حزب المؤتمر تكسير العظام، وفي الجانب الآخر.. العملاء.. المندسون سارقو ثورة الشباب كهنة الثورة.. البلاطجة.. هنا وهناك ومن المحزن أن يتواصل فعل هذا التنابز حتى بعد توقيع المبادرة الخليجية الموافقة على التسويات وتهيئة الأجواء للانتقال.. فأي انتقال نريد وإلى أين في مثل هذا التنقيب عن كل ماهو مهين منتقص وحاط من كرامة الآخر ؟ ذلك فضلاً عن استمرار الانقسام والمكابرة والمناكفات.. مما لا يقود إلى انتقال ولا إلى تغيير أكثر من ان يضع السدود والحواجز في وجه وطن منهك ومثقل بأوزار فساد وحروب وتخلف من كل لون ونوع، وثقافة هجر، وثأر وخطف واصطراع مذهبي مستحدث، وقاعدة وأنصار شريعة وحراك يطالب بالانفصال وتقرير المصير، وثقافة عيب قبلية.. الوطن في غنى عن كل هذه الملحقات، وبالذات ما يتعلق منها باختراع التسميات والألقاب ومفردات التحقير المتبادلة هنا وهناك.. يبدو أننا سنحرث في البحر لنجني السراب في النهاية إذا لم نستطع أن نفهم، ونستوعب ثقافة العيب القبلية رغم كل الإدعاءات المدنية من طرفي الصراع الحقيقيين في الديمقراطية والحرية وحتى الدولة المدنية المرددة. فثقافة العيب القبلية كما يجب أن نعيها بعمق.. هي ثقافة بطل منتصر، وآخر جبان مهزوم هي التي تسكن وتعشش في ذهنية طرفي الصراع الحالي، والقبيلة المراقبة، أو المنتظرة بالأصح “سنحان” هل سيحسم النصر علي عبدالله صالح الذي لا يزال يمسك بيديه المال وثلثي الجيش اليمني بمعداته وجاهزيته.. أم يحسمها قائد الفرقة علي محسن ومن معه من بيت الأحمر ؟ وإنهم لمنتظرون بإغفال النظر عن المواقف الإقليمية والدولية وما يزيد الطين المبلول بلة حسب المثل الشعبي أن ينبري مثقفون وصحفيون، وأدوات إعلام واسعة في تغذية الصراع إن لم نقل لعب دور الشيطان في إطالة العناد والمكابرة القبلية في ذهنية المتصارعين. نعم انتخبنا الرئيس الحالي عبدربه منصور بحشد لم تألفه الانتخابات اليمنية السابقة عشماً في طي صفحة الماضي المؤلمة، ورسم صفحة جديدة نلونها جميعاً بجهدنا وعطائنا، فيستطيع أن يسهم به في تشكيل لوحة الوطن التي نريد ان نراها في قادم الأيام.. نعم رئيس مدني ويحلم أن تكون ألوانه أبهى الألوان في فسحة اللوحة، لكنه لا هؤلاء ولا نحن كما اعتقد، ولا حتى إخواننا الأشقاء في الخليج، ولا أصدقاؤنا الأوروبيون والأمريكان معنا نستطيع مالم نسبرغور القبيلة اليمنية وثقافة الذهنيات المتصارعة لتقبل وإفساح المجال للوحة الوطن التي نريد لها أن تتشكل. فلحب الله ولوطننا الحبيب المنهك أن يتجنب إعلامنا الخاص مثقفين وصحفيين الخوض في معمعات الصراع القبلي، والانتصار لهذا الطرف، أو ذاك.. قدر الانتصار للوطن اليمني ومستقبله والدولة المدنية المنشودة، وتعزيز وترسيخ الثقافة المدنية التي بدونها لن نحلم، ولن نراهن على دولة مدنية.. أسمح لنفسي باسمي ونيابة عن وطني وشعبنا اليمني وكل من يؤازرني ويرى معي أن أتوجه بنصيحة مخلصة وصادقة لطرفي الصراع وخاصة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وأولاده واللواء علي محسن الأحمر ومن معه محاولة الانتصار على أنفسهم قبل الانتصار لأي شيء آخر، يبدأ هذا الانتصار للنفس من اغتصابها عنوة للقطيعة مع ثقافة العيب القبلية، ولن يعدموها أبداً وقد تعايشوا معنا وحكمونا لأكثر من ثلاثة عقود متواصلة، والانتقال منها للثقافة المدنية، وهم الأقدر لو توفرت الإرادة وحب الوطن عملاً وفعلاً لا قولاً ونقيضه.. فالثقافة المدنية هي الأجدر لنقلهم من العناد والمكابرة وثقافة القبيلة.. الشجاعة.. الصمود.. الموت أهون.. العيب يابيلاه.. البطل.. الفارس إلى آخر مقدسات السلسلة لدى القبيلة.. إلى التسليم المدني بالصعود والهبوط.. سنة الكون، وناموس الحياة المتبعتان في عديد من البلدان المدنية الحضارية.. اليوم أنت رئيس بلد وغداً في منزلك، أو مزرعتك، أو شركتك.. تأكل الطعام وتمشي في الأسواق مع الناس آمناً مطمئناً لا يتربص بك ثأر أو انتقام بل احترام الناس وامتنانهم لمدنيتك، وحضاريتك في القبول والتعايش. يجب على إخواننا طرفي الصراع من هذا المنطلق أن يكون ديدن النصر والهزيمة لديهم.. من انتصر على نفسه أولاً وتنازل عن مكابرته للانتصار للوطن فهو الانتصار الحقيقي والشجاع، ومن كابر وعاند ورهن نفسه للثقافة القبلية التقليدية على حساب إجهاض وطنه وتمزيقه، وإهدار أمنه واستقراره وسكينته فهي الهزيمة بعينها والشماتة اللتان ستظلان تلاحقان فاعلهما للأبد وتنقشان اسمه في اللوحة السوداء للأنانيين الذين احرقوا بلدانهم. أنا على يقين من ان شعبنا اليمني عظيم في بأسه وكرمه إذا ما عاد المتصارعون إلى رشدهم، وانتصروا على أنفسهم في ترك مسيرة الوطن تسير إلى مبتغاها بلا مناكفات ولا منغصات نحو التغيير والحرية وتحقيق العيش الكريم للمواطن اليمني المتعب المنهك من الصراعات، وجبر خاطره في إعادة الاعتبار لضحايا الحروب والصراع السابق واللاحق، وعلى رأس ذلك ضحايا انتفاضة الشباب.. فإن شعبنا اليمني لن يتردد في عفوه ومسامحته ليجتاز وطنه محنه ونكباته، ويعلو على نكده وجراحاته من أجل عيون وطنه وتقدمه وأمنه واستقراره وسلامته، وغير ذلك مما تشاءون إضافته إلى أحلام الشباب والشعب اليمني وأجياله الآتية.