لا أحد يعرف ما معنى أن يتم الاكتشاف مؤخراً للمتصارعين من المتنابزين للجنسيات والألقاب بعد انفراط الرباط الحميم الذي كان يجمعهم على وليمة واحدة في الوطن.. يتم تقاسمها بينهم بالتساوي، أو بالتمايز النسبي حسب المناصب والمكانة الجهوية القبلية والمناطقية والعشائرية وغيرها من مواصفات التخلف والاستعلاء، فالجانب الأول من جيش الانتفاضة، ومن أنضم إليها من قبليين ومشائخ وعسكريين، يكتشفون أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح أنه “عفاش” وبالتالي تكتشف قناة اليمن اليوم أن أولاد الأحمر من أصول “البانية” وبالطبع تصبحان الأسر والعوائل عفاشية في الأولى، والبانية في الثانية لعلمنا وإحاطتنا بما لم نكن على دراية به من قبل، علم أيها الأخوة والأبناء، ولأنكم لا تدركون مجتمعين أن الشعب اليمني برغم العادات والتقاليد السيئة في بعض مناطقه في الافتخار بالحسب والنسب والأصول، إلا أنه في انتفاضته الأخيرة.. لم ينتفض من أجل نسب فلان أو أصوله، وإنما انتفض من أجل لقمة عيش كريمة ومواطنة متساوية وحرية سياسية، ومشاركة حقيقية في القرار، وضد الاستحواذ والاستئثار بالثروة والمقدرات وضد الفساد بشتى أشكاله وتنوعاته، بعد ثورة 26سبتمبر 1962م حلا لبعض الذين يرون في الجنس نقيصة أن يكتشفوا أن بيت حميد الدين من البانيا، لكن ذلك لم يحل مبادئ الثورة، ولا الشعب اليمني الذي خرج يدافع عنها في أشد الظروف الاقتصادية والعسكرية صعوبة وتخلفاً عن حرف المبادئ والأهداف في التحرر والبناء واللحاق بما أستطاع من التحرر والتطور الذي شهدته البشرية يوم ذاك إلى الأصول والإنسان الثانوية والهامشية لرفعها بديل الظلم والتخلف والاستبداد الذي ثار ضده، وحينما أرسى الهادي بن حسين الرسي في القرن الثاني الهجري المذهب “الزيدي” في صعدة وبعض مناطق الشمال، اكتشف مناوؤه أنه من أصول البانية وبلقانية، وليس يمنياً.. غير أن المذهب الزيدي الذي جاء به اعتنقه العديد من الناس، لا نظن بأن إخواننا في الله قد فقدوا الذاكرة بسرعة سنة ثورة أن الشيخ المرحوم عبدالله بن حسين الأحمر كان يردد قبل وفاته: “أنا شيخ الرئيس علي عبدالله صالح، وعلي عبدالله صالح رئيسي” في الوقت الذي كان الرئيس السابق علي صالح يعتبر نفسه حاشدياً، وهو الاعتراف الضمني بمشيخة عبدالله بن حسين عليه، ولم يكن ثمة من نسب أو لقب، أو أصول. لم يخترع اليمنيون الأثينيات، ولا الطوائف أو المذاهب معها، وإنما هي تاريخية بفعل الانتماء للعرب والدين الإسلامي الذي شهد قديماً مثل هذا التنابز والصراع والاقتتال الطائفي والأثيني والمذهبي السياسي تحت عباءة الدين التي رأت الفرق المتصارعة مجتمعة التلفح بعباءته لسهولة الانتصار على غيرها، وقد اختفت مثل هذه التخريجات الجاهلية إبان النضال ضد الاستعمار الذي ضم المناضلين ضده في بوتقة التحرر منه، وفي البلدان الديمقراطية التي تمكنت من ركن الكنيسة وهيمنتها على الدنيا والدين جانباً.. استطاعت هذه البلدان بشكل متفاوت أن تبتدع التشريع الديمقراطي في أنظمتها، وتصيغ حياتها وفق التعايش الوطني والإنساني المتساوي في الحقوق والواجبات بعيداً عن النوازع الأثينية والمذهبية والطائفية قرينة النظم الاستبدادية، إن هذه النوازع والألقاب والتجنيس لم تكن إلا في البلدان الديكتاتورية الاستبداية في ارتباطها الحميم بها كأحد نوازعها إلى التفرقة، وتأجيج الصراع، وإلهاء الأمة بصراعات لا علاقة لها بتخلفهم وفقرهم، وضنك العيش والحرية والكرامة في أوطانها بفعل الظلم والاستبداد والاستحواذ على الحياة والمقدرات. في أمريكا مثلاً يستطيع الياباني أن يقول أنا أمريكي من أصول يابانية، أو يقول جملة واحدة بلا تفرعات.. أنا أمريكي ياباني، ويستطيع الصيني والمصري واليمني والعراقي والسوري، وأي من الأصول الأخرى أن يقول نفس العبارات بعد حصوله على الجنسية التي لا تظني بنفسها عنه أكثر من خمس سنوات.. يصبح بعدها مواطن يتمتع بالحقوق والواجبات شأنه شأن الأمريكي الأصل، ويستطيع أن يتدرج ليصبح رئيساً إذا ما أنخرط في العمل السياسي بعد تجاوز الموتيفات العنصرية المقيتة، من أين جاء أوباما ألم يكن من أصول كينية دون زنجي أسود، أو أسمر، وساركوزي الرئيس الفرنسي السابق تشيكي الأصول فرنسي الجنسية؟ لا يفيد الإنسان اليمني إن كان رئيسه السابق علي عبدالله صالح “عفاش” ولا بيت الأحمر مشائخ حاشد أن يكونوا من أي أصول، ولا ينقص ذلك منه قيد أنمله وإنما الانتقاص والإعاقة في لي رقبته ليظل الاستبداد والصراع والتناحر، وافتقار الطمأنينة والأمن، والاندفاع اللامشروع للسلطة والاستحواذ، وإقلاق سكينته مع الفقر والحاجة والتخلف قيمة أقداره العتيقة التي ثار عليها بالأمس، ولا تريد، ولا يراد لها أن تصبح من ضمن تاريخه البائس المنطمر..أن تظل هي..هي ، وتحرف إرادته في الحرية والديمقراطية والمواطنة المتساوية والعيش الكريم على أرضه بالتنابز بالألقاب واكتشاف الجنسية مؤخراً، وما يليها من الانتقاص والتحقير، والصراعات الطائفية والمذهبية والأثينية التي يحاول البعض إثارتها الآن لحرف الناس عن أهدافهم الحقيقية، والزج بهم في المجهول. لا نضيف جديداً على الإدانات الغاضبة التي تكاتفت في محاولة الاغتيال للقائد الوطني الدكتور ياسين سعيد نعمان من مختلف الأحزاب والمنظمات والفئات الاجتماعية المختلفة، وحتى ممن يختلفون مع الرجل اختلاف الرجال المخلقين الشرفاء. إذ يظل اللجوء إلى مثل هذه الأساليب على خطورتها على أمن وسلام الوطن من الإفلاس والخسة في التعامل مع المختلف المسالم. فالدكتور ياسين لم يعرف عنه أبداً أنه قد استخدم سلاحاً ضد أحد أو رضي بالتنكيل لأحد حتى وهو في سلطة الجنوب سابقاً بل ظل وفياً لفكره ومبادئه السلمية في الاتفاق والاختلاف، والتنقيب في كتاباته ولقاءاته الصحفية عن المفردات اللغوية التي لا تشتم، ولا تلعن بل تهدف إلى التبصير بمبادئ وأسس التغيير التي يراكمها العصر.. إرادة الله في الأرض وناموس الكون، وتطلع الناس إلى تجاوز حياة التخلف والبؤس والاستبداد لحياة تليق بالإنسان الذي كرمه الله على الأرض، إن المحاولة جد خطيرة ولا تعد عن الجريمة التي يراد بها الزج بالوطن في أتون اقتتال لا يبقي ولا يذر لوأد تطلع إنسانه اليمني إلى بناء حياته الجديدة والذهاب إلى المجهول ما يستوجب على الرئيس عبدربه منصور وكل القوى اليمنية الوطنية الشريفة سواء في القوات المسلحة أو الأمن أو المجتمع المدني ليس الاكتفاء بالتنديد والإدانة فقط، وإنما العمل على تظافر كل الجهود لكشف ومحاسبة من يريدون دحرجة حياتهم لحضيض الاغتيالات والاقتتال والعودة إلى مربع حياة أكثر بؤساً.