سيكون الحوار مجدياً عندما تكون النوايا طيبة, وعندما تسقط الأوهام من الرؤوس ومن أجندات الحوار, وعندما يذهب المتحاورون وهم بكامل الحرية والقناعة بأهمية الحوار الوطني. المحاورون الذين سيذهبون لمحاورة أنفسهم ولصياغة شروط وعرضها بالنيابة عن غيرهم وهي في الحقيقة تمثل شروطهم ومطالبهم وشروط لصوص الثورات وتجار الأزمات لن يحققوا نجاحاً ولن يقدموا حلولاً لمشكلات البلد وأزماته. أغرب أنواع الحوار هو أن يذهب البعض لمحاورة أنفسهم أو من يتخذ موقفاً وسياسة هي في الأساس من صناعة ذلك البعض ومن تخريجاته. لقد بلغ الاستخفاف بالعقول مبلغاً ووصل الحال إلى تصديق البعض لكذبهم, وكأن الحوار هو من سيحدد الحلول المطلوبة في الوقت الراهن بينما الواقع يحكي أن البلد تحت الوصاية وكل مقررات الحوار ونتائجه قد حسمت من وقت مبكر ولم يبقَ سوى التنفيذ بناءً على إرادة أصحاب الوصاية, والخطة جاهزة والتمثيلية يجري إخراجها بالتقسيط لتمر بهدوء دون اعتراض أو معارضة ممن هم خارج اللعبة. خارطة اليمن السياسية والجغرافية وشكل نظام الحكم والوحدة والوضع العام كلها قضايا جرى حسمها وصياغتها وعلى الحكومة الحالية والحكومات القادمة تنفيذ السيناريو بالضحك أو بالبكاء والدموع. كل قرار يصدر أو إجراء يُتخذ لا علاقة للإرادة الوطنية به ولا يمكن أن نصدق حكايات من هذا النوع, وحتى خيارات السلم والحرب صارت بأيدي رعاة المبادرة ولا ندري حتى اللحظة إن كان خيار السلم هو الراجح أم أن خيار الحرب الأهلية هو الأرجح؟ ولا أحد يعلم ماذا يُراد لهذا البلد وماهي مواقيت الحرب والسلم والوحدة والانفصال والوفاق والشقاق؟ لكننا على يقين أن الجميع ”شقاة” في بلدهم مع غيرهم لتنفيذ قرارات حكام البلد من غير أبنائه. من المؤسف حقاً أن يصل البلد إلى هذا الحال وتستمر أساليب الكذب تُمارس كسياسة لتضليل الرأي العام عن حقيقة ما يدور في الوقت الراهن وفي المستقبل. سوف تجري عملية حوار في الأيام القادمة غير أن نتائجها محسومة سلفاً وإن تعالت الأصوات واشتد التراشق الإعلامي وتبادل أطراف الحوار التهم واستعرض كل طرف بطولاته وسياساته لكنهم في الأخير سيتفقون على صيغة الحلول الجاهزة القادمة من لدن أسيادهم. مشكلة البلد الحقيقية هي كثرة العصابات المتنفذة وما يحدث الآن هو أشبه ما يكون بتقسيم البلد على تلك العصابات التي كانت ولاتزال هي أساس كل المصائب التي تعاني منها اليمن وكل هذا التقسيم الذي يبدو هو ضمن متطلبات اللعبة الدولية. كل الحوارات التي جرت بين فرقاء العمل السياسي في ظروف أحسن من الظروف الراهنة لم تثمر سوى المزيد من التعقيد للقضايا والمشكلات موضع الحوار, فهل ستنجح حوارات المرحلة في ظل صراع العصابات التي تدير البلد من الخلف وتُدار هي من الخارج..؟ لم يبدأ الحوار بين الأطراف السياسية لتحديد رؤية واحدة وسياسة واضحة تجاه القضايا الأخرى ومع الأطراف الذين لم يشاركوا في لعبة التقاسم الحالية, فكيف سيذهب هؤلاء لمحاورة غيرهم؟ لم يتفقوا على شيء سوى التقاسم والشراكة بضغط من الخارج, وقضايا الحوار القادم أشد خطورة وربما تكون سبباً لما هو أسوأ من مجرد الخلاف, والأمر كله متعلق بنوايا الخارج ومخططاته وهؤلاء يعملون لديهم بالأجر.