كأي أناس خاضعين سلباً للمنتوجات المعرفية والسلعية الخارجية نتلقف باندهاش المصطلحات ونحاول تقليدها والترويج لها وكأنها صادرة عن حاجاتنا الضرورية. ومن هذه المصطلحات”هيكلة” القوات المسلحة، والتي وردت في متن الآلية التنفيذية “البن عمرية”، وأضحى هذا المصطلح سياسياً بامتياز، وهو يأخذ بتلابيب المناقشات السياسية على مائدة سياسيين لئام. ولكن قبل الاسترسال في مناقشة العنوان أود القول بأن المرحلة الانتقالية هي مرحلة تضليلية تشويشية وظيفتها إرباك التظلمات والحقوق السياسية؛ من أجل هدف أكبر وأخطر مما يتصوره العقل القبائلي والمستبدون والمشوّه للشارع الاجتماعي والسياسي, وهو تمرير لاستراتيجية العولمة الامبريالية في المنطقة الجنوبية الحيوية والاستراتيجية والتحكم المركزي بأهم الممرات والنفوذ الآسيوية والإفريقية. وفيما يتعلق بهيكلة القوات المسلحة أو أجهزة القوة الآن فهي لا تحتاج إلى دعاية إضافية لكي يتم تحقيقها على أرض الواقع, فهذه القوات قامت على أساس فلسفي واضح, البعض لا يفضل الاعتراف به إما خوفاً من تكسير العظام أو تملقاً ونفاقاً للحفاظ على الوجاهة البائسة والمصالح الواطئة, هذا الأساس هو لمن يمتلك القوة والقهر والغلبة وهي محصورة بالأئمة سابقاً وبوريثهم العكفة “العسقبليون” الذين تبادلوا السلطة منذ 1962م وحتى الآن؛ لأن هذه القوات منذ انتقالها من حضن الأئمة الذين اعتمدوا القبائل المتعسكرة لإخضاع المناطق الخصبة في إب وتعز وتهامة حافظت على: أولاً: وظيفة حماية الطغم الحاكمة، والولاء والطاعة لها، وإبقاء السلطة في المركز السياسي المتخلف”صنعاء”، ولتحقيق ذلك عملياً انحصر الصراع بين القوى العسقبلية؛ حيث حافظت القوى العسقبلية على التفوق، وبالتالي استولت على مفاصل القوات، وأخضعتها لمصالحها وأهدافها, وهذا التوظيف كان يتسق مع الفلسفة التي قامت عليها هذه القوات منذ الأئمة. ثانياً: إخضاع المناطق المحكومة بالقوة والقهر والغلبة، وكانت العمليات العسكرية والأمنية في مأرب وتعز والجنوب تتم وفقاً لفلسفة عصبوية، والمواجهات في صعدة استثناء وتم تداركها. وحرص علي عبدالله صالح، الذي لم يتأهل تعليمياً وأكاديمياً وعسكرياً بعد وصوله إلى رئاسة السلطة على وضع القوات المسلحة في حالة صحية متدهورة؛ فضرب الضربة الأولى بإذلال كبار الضباط الذين حصلوا على مؤهلات عسكرية أكاديمية، وذوي التجربة الميدانية في إدارة الوحدات والجيوش، وواصل نشاطه بضرب النظام الهرمي، والذي يقوم في كل الجيوش الأخرى على تسلسل الرتب والتأهيل والكفاءة والأقدمية والخبرة الإدارية والقتالية المتراكمة، واستعاض عنها بذوي القربى من شبه الأميين الذين تسلقوا هرم القوات المسلحة بقفزات طرزانية، حطمت الجمجمة والدماغ، وأبقت على الجسد عبارة عن عظام دون لحم. وبدأت ذروة انهيار القوات المسلحة تتصاعد حينما شن الحرب على الجنوب، ودمر الجيش الجنوبي المؤهل تأهيلاً عالياً، ومن بعده حينما سلم القيادة إلى صبيانه من أبنائه وأبناء إخوانه وأزواج بناته، وأمرهم بالانخراط في الفساد والنشاط المشين، وتحولت وظيفة القوات المسلحة إلى : أولاً: حماية الفساد وتجارة التهريب والنشاط غير القانوني كتجارة الأطفال واللحم البشري والمخدرات والأسلحة.. إلخ. ثانياً: حماية الأسرة الحاكمة ومن في حكمها؛ حيث تحولت إلى ثوابت ومقدسات لا ينبغي حتى الإشارة إليها أو إلى المخافسة حول نشاطها. والهيكلة الآن مضيعة للوقت والجهد؛ فقد أحسن صنعاً في إيصال هذه القوات إلى حالة مرضية عضال، لا جدوى من تطبيبها، فهي عديمة الفائدة إلى العدد الهائل من الفقراء وعبء عليهم، حيث الأولوية تكون من الناحية السياسية لهيكلة الدولة، أي إعادة النظر بتركيب الدولة عبر إعطاء أهمية للدولة المركبة دولة الاتحاد ونظامها السياسي البرلماني الديمقراطي، وهي دولة لا تحتاج إلى الجيش الذي اشتهر بقمع وقهر المجتمعات المحلية، ولا يمكن لأي حوار أن يقوم بين الهراطقة السياسيين ما لم تقف العملية السياسية على قدميها، وذلك فقط بهيكلة الدولة ومغادرة منطق الحاكم بالقوة والقهر والغلبة، والتي أدت إلى اختلال الحقوق والواجبات التي ارتكزت عليها اتفاقات الوحدة. اليوم لا يمكن تصور هذه المنطقة خارج نطاق الاستعمار الجديد الذي فرض آلياته؛ بسبب حماقة الطغمة العسقبلية الفاشية الشمولية التي باعت بأرخص الأثمان السيادة الجغرافية والسياسية.