المنافقون والمداحون والمطبلون وما سحو الأجواخ هم دائما آفة المجتمعات كلها وهم سبب خراب الدول والأنظمة والحكام ، فلا همّ لهم دائما وأبدا إلا مصالحهم ومطامحهم الذاتية الدنيئة ، ولذلك فهم غالبا يدحضون الحق بالباطل ويزينون القبيح ويشوهون الحسن ، وإذا قرأنا التاريخ الإنساني سنجدهم وراء هدم الحضارات والأنظمة وانحراف الحكام .. وفي نطاق وطننا اليمن الغالي والعزيز كم من أولئك المتسلقين كالحشرات الطفيلية تعلق بكل حاكم ومسئول لا غرض لها ولا هدف إلا حماية مصالحها ونشر فسادها وخلخلة المجتمع والنظام ليكون لقمة سائغة لها ولفسادها ، وبالذات تلك البطانات التي تلتف وتتحلق حول الحكام تحجبهم عن الناس وتحجب الناس عنهم وبالذات من يعرف عنهم الشرف والنزاهة ، حتى لا تتأثر مراكزهم ومصالحهم ، فيظل الحاكم والمسئول مسلوب الوعي والإرادة ، يسير بحسب ما يزينونه له وما يريدون .. حيث يظلون ينفخون فيه ويؤلهونه ويؤطرونه بهالة من القداسة الزائفة ، حتى يصدقهم وينخدع بأساليبهم فيعطيهم ويسلمهم زمامه وزمام سلطته ، بعد أن يجعلوه أفصح الخطباء وأبدع الأدباء وأمهر الشعراء والفنانين ونابغة الحكماء ، يؤلفون عنه الكتب ويدبجون المعلقات التي تبرز مقدرته ومواهبه ، بل ويصدرون باسمه المؤلفات التي لا يفقه منها شيئا ، حتى يتهيأ له أنه فلتة من فلتات الدهر والزمان ، وأنه لا يأتيه الباطل أبدا ، مع أنه في حقيقة الأمر هو الباطل بذاته .. ولا يكتشف حقيقته وحقيقة أولئك البطانة الفاسدة وأولئك المداحين والمنافقين وماسحي الأجواخ إلا بعد فوات الأوان ، وبعد وقوع الفأس في الرأس ، وبعد خراب مالطا ، وبعد أن يكون أولئك المنافقون والمتزلفون والمطبلون المداحون قد انسحبوا من جانبه وتركوه لمصيره ، يواجه ماضيه وحاضره على حقيقته ، وذلك ما حدث مع العهد والرئيس السابق ، الذي التفت حوله بطانة السوء وجوقة المنافقين فجعلت له الأبيض أسود والأسود أبيض ، وزينت له كل قبيح وجعلت منه خطيبا مفوها وأديبا مصقعا وسياسيا لم يأت الزمان بمثله .. وما أن انقلب الحال عليه وانتهى نظامه حتى انقلبوا ومالوا عنه مئة وثمانين درجة وأظهروا العداوة والبغضاء له ولعهده الذي تمرغوا في نعيمه ، إلا من لا زال يطمع في العطاء مما لدى الرئيس السابق من مال كثير يستطيع أن يكسب به المناصرين ، ليظل محافظا لمظهر الزعامة التي خسرها بسبب انقياده لبطانته السيئة وأولئك المداحين المنافقين والمتزلفين ، الذين سريعا ما غيروا وجهتهم مع النظام الجديد وحكامه ومسئوليه ، حيث بدأوا مبكرين يمارسون معزوفاتهم الكريهة من النفاق والمديح الممجوج ، الذي سبق أن قالوه في من سبق حتى كادوا أن يجعلوا منه نبيا مرسلا .. وكثيرا ما نصح الناصحون ونبهوا وقالوا الشيء الكثير عبر الوسائل الإعلامية ومنها الصحف ولكن لا حياة لمن تنادي ، فلم يكن لقول الناصحين ولا لصوتهم أي صدى أمام الزخم الشديد من المديح والنفاق الذي كان يصم الآذان ، وقد بدأ أولئك معزوفاتهم للنظام الجديد من قبل أن تجرى الانتخابات المبكرة ، ومع ذلك فقد سبقهم الناصحون محذرين من تلك البطانات وأولئك المتسلقين المتزلفين المنافقين عن الالتفاف حول الرئيس الجديد وغيره من المسئولين .. ولكن يظهر ويتبين أن تأثير الباطل سريع وفعال ولن يكون لصوت الناصحين أي تأثير أو صدا يذكر ، كيف لا وقد جعل المنافقون وأقرانهم من البطانات السيئة من رجال السلطة الجديدة من يضاهون عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما حزما وعدلا ونزاهة وتقشفا وزهدا ، ومن خلال ذلك يظهر أن الحكام الجدد كمن سبقوهم استمرأوا المديح واستطابوه ، فهو كالسحر يغشى على الأبصار ، فسريعا ما يصدقون ما يقال عنهم ويهتدون بهديه .. ومع ذلك ما زال الأمل قائما بأن يصحو حكامنا الجدد من سكرة المديح ونشوته ويعتبرون مما حدث لمن سبقوهم ، فيدركون زيف ما يقوله المداحون وينفخ به النافخون ، ويعقلون أنهم بشر يخطئون ويصيبون وليسوا ملائكة أو أنبياء ، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه .. وما خطه وسطره الزميل عارف أبو حاتم عن هذا الجانب تحت عنوان ( ما يجب أن يحذره هادي ؟! ) في صحيفة الجمهورية الغراء ،ربما يكون إحدى الرنات القوية في جرس الإنذار ليصحو الغافلون والمأخوذون بحلاوة المديح والنفاق ، وهو المحفز لكتابة هذا المقال لعل النصيحة المتكررة تنفع المؤمنين ، وطوبى لمن أظهر العيوب ولم يتستر عليها أو يداريها ونصح صادقا غير شامت ابتغاء لوجه الله ، فبعدا للنفاق والتزلف والملق الذي يخرب الذمم والنفوس وينحرف بها عن جادة الصواب ، وأهم ما نتمناه على أركان سلطتنا الجديدة أن يخصصوا جزءاً من وقتهم للقراءة ليعرفوا ما يكتب عنهم وعن حال البلاد والعباد ، ولا يكتفوا بما تنقل لهم بطاناتهم التي نرجو أن يحسنوا اختيارها .. وأن لا يصدقوا أي مديح أو كلام معسول ، فالأنفع منه كلمة صادقة ونقد بناء ولو كان شديد المرارة ، فلعل ذلك يكون مرشدا في مسار حكمهم وفي بناء الدولة المدنية الرشيدة ..