وجوه متعبة يعلوها الشحوب.. وأجساد أنهكتها ظروف المعيشة حين تشاهدها كل نهارٍ على متنِ المواصلاتِ العامة: (من شعوب إلى باب اليمن, ومن باب اليمن إلى الجامعة ومن الجامعة إلى الحصبة.. إلى آخر تلك الجولات المكوكية)!! الجميع يعيش نفس الهموم.. ويشتركون في معاناةٍ واحدة.. وصباح صنعاء لم يعد يُغري وأنت تمرُ بأزقّتها.. ولم يُؤنس وحشتها سوى ابتهالات من مئذنة الجامع الكبير بصنعاء القديمة..! فعلى متن تلك الحافلات يلتقي الجميع عند مصطلح واحدٍ فقط هو (السياسة).. الكل يلوك هذا المصطلح قي حين فترةٍ من الفترات لم يكن ليجرؤ أحد على الخوض فيها سوى العاملين في (مطابخها) الخلفية.. والغارقون حتى آذانهم في أوحالها.. والآن بات الجميع (سياسي) من الدرجة الأولى أو العاشرة من سائق (الباص) حتى (عامل النظافة) وكل من تضمهم الحافلة بأحشائها.. سواء المتجهين إلى أعمالهم أو جامعاتهم.. فكل واحدٍ منهم يرمي بجسده المثقل على تلك المقاعد المهترئة.. المهم أن يصل إلى وجهته.. وتلك الدقائق طافحة برائحة السياسة والخوض فيها بفضولٍ لا يقاوم بين العابرين بلحظاتها ودقائقها القصيرة.. لدرجة أن تصل الأمور إلى الشتائم الحادة والتي قد تؤدي في معظم الحالات إلى الاشتباك بالأيدي. الكل يتعصّبُ لرأيه لدرجة لا تصدق.. فهذا يتبعُ (تيس أبو لحية) وذاك ينتمي إلى (حمار جارنا لطيف) وآخر يصرُ على (ثور جارتنا لطيفة).. كل من على متنِ الحافلة يُحرق أعصابه ويستنفدها لدرجة الحماقة التي قد تُزهقُ الأرواح بلحظة طيش.. بينما المعنيون بالأمر على (كراسيهم الدوارة) لا يدرون عن الأمر شيئاً.. ولا يهمهم إن كان (عمر بن عبد العزيز) سأل عن دابة تعثّرت في طريقها فأصلح لها الطريق..!! فمتى تشفى هذه الجراح النازفةِ بالألم..؟ ومن سيعيدُ لها الأمل؟ ويضمّدُها قبل أن تستفحل ويصعبُ السيطرة عليها..؟! من عُمقِ المأساةِ أبحثُ عنك ياوطني..!! [email protected]