نحتاج اليوم الى انتاج ثقافي حقيقي يغطي استهلاكنا المحلي ويشبع احتياجنا الثقافي والمعرفي الى درجة الاكتفاء الذاتي .. اما ان نظل عالة على الجيران والاصدقاء في هذا الجانب بالذات فإننا نكون قد عرضنا مستقبلنا للضياع .. الثقافة التي اهم ما فيها انها سلوك الا انها في نفس الوقت تحولت الى سلعة تجارية رائجة عن طريق تحويل السلوك الى منتجات ثقافية متنوعة تباع في اسواق العالم وفقا لجودتها وطرق عرضها وادائها . فالانتاج الثقافي الذي يغني المجتمع المحلي عن التسول الثقافي يساهم في رفد الانتاج القومي ويساهم في بناء الدولة من ثلاث نواحٍ معرفية ،واقتصادية ،وسياسية. هذا الانتاج اذا امتلك بعض الشروط العالمية سيتحول من مجرد استهلاك محلي الى منتج واستهلاك عالمي ورافد للسياسة الخارجية والاقتصاد والنفوذ العالمي وعامل مهم للقوة والحضور. لن نكون فاعلين على المستوى المحلي مالم نخلص ثقافتنا من تسلط مدعيي الثقافة الذين ظلوا يمارسون التسطيح الثقافي على مستوى واسع وساندتهم الانظمة البائدة لعلمها انهم يخدرون المجتمع ويبحرون به بعيدا عن شواطئه الطبيعية ومراسيه وسهوله وهضابه الثقافية الحقيقية. ان الانتاج الثقافي يجب ان يكون وفقا لبرنامج مجتمعي يكمل بقية جوانب البناء التي تقوم بها الدولة ، ولذا فنحن بحاجة ماسة الى سينما ومسرح وفن يعبر عنا كمجتمع ،وعن هويتنا الحضارية لا ان يتم خداعنا بشيء من الزوامل القروية الداعية للثأر والحرب وبرقصات قروية تعبر عن النظام الحاكم وعن توجهه القروي المناطقي.. لقد كانت الفترة الماضية فقط تنتج ثقافة تناسب مستوى الزعيم مع انه اتى من وسط واطي لا علاقة له لا بثقافة ولا شعر ولا ادب ولا فن .. فكانت الكارثة بحجم المنتج الفلكلوري الذي حاولت جوقته الثقافية ان تشعرنا ان التسطيح الذي ينتجونه وفقا لهوى زعيمهم هو من تراثنا وثقافتنا وهويتنا ويجمع ما بين الاصالة والمعاصرة. ماهي قدرة النخبة الجديدة على انتاج ثقافة جديدة تعبر عما وصلنا اليه وتعبر عن طموحنا وعن واقعنا. لسنا نطلب الشطط ولا المحال ، لكننا نطلب المدد من النخبة الجديدة من التعبير عن ثقافتنا الحقيقية وعن هويتنا واحلامنا .. ولا نريد لببغاوات الماضي ان تشاركنا فقد سئمناها ..فكما سجدت وفقا لمصالحها للسابقين ستحاول ان تسجد وتجد لها مجالا تعبر به عن طلبها للمال ولعق بقايا الصحون في النظام الجديد .. هي لن تبيع مبادئها لأنها انتهازية وبلا مبادئ ثقافية ولا انسانية اصلا. ان يكون لنا مسرح بروح العصر معبر عن هويتنا وقيمنا الثقافية من خلاله نستطيع ان نتنفس ثقافة وحرية خيرا من ان نستورد مسرحيات الغير وطموح وهويات الغير وهكذا في الفن والسينما .. الله هذه الاخيرة- السينما- لو امتلكنا ناصيتها فإنها ستغير بنياننا من القواعد ومن خلالها سنستطيع ان نوحد صفوفنا المبعثرة ونوحد رؤانا المتنافرة .كما ان اي شعر وادب لا يعبر عن روحنا الثقافية وتطلعاتنا الادبية هو محض هدر للكلمات وبيعها على حبال الغسيل .. ان اية قصة او رواية غير نابعة من ضمائرنا معبرة عن حالنا وماضينا ومستقبلنا بصدق هي مجرد حبر على ورق لا قيمة له. الانتاج الثقافي المطلوب يجب ان يكون وافرا وشاملا كي نحقق الرفاهية لمجتمعنا، وبغير الانتاج الثقافي الآنف ذكره لن يكون لنا مكان ولا هوية في مجتمعنا المحلي ! هل تذكرون حديثنا عن اشقائنا المصريين بقولنا للمصرين وطنية وحباً لوطنهم ودائما يرددون حتى الغلابة منهم «مصر ام الدنيا» و«عمار يامصر» ذلك لأن مجتمعهم انتج ثقافة وكنا مجرد مستهلكين وكالطرشان في الزفة بلا فاعلية ثقافية وضربنا بخيباتنا على اشياء اخرى، بينما خيبتنا الثقافية هي من قتلت الحس الوطني عند الفرد وعمقت الثقافات القروية والمناطقية لأن قرويين متخلفين قد حكموا وأرونا مايرون فقط. لن نسلم عقولنا بعد كل هذه التضحيات وهذا التغيير العظيم لغيرنا مهما كلفنا الامر ولن نترك الشأن الثقافي للمزايدين وبياعين الكلام الذين ساهموا في صناعة الاقزام .