بين يدي شوقي والجمهورية أخذت تعز نصيبها الوافر من سياسة “الترقيع”، خاصة في المياه، فلم يجد نظام صالح سابقاً حلاً لمشكلة جفاف تعز غير البسط الرسمي على مياه المناطق المجاورة، خاصة في الحيمة وحبير (شمال تعز)، وهي سياسةٌ تعني إفقار تعز وما حولها؛ لأن لا حل في أفق المشكلة غير تحلية مياه البحر. ورغم ارتفاع وتيرة الاستنزاف من مياه “الحيمة وحبير”، إلا أن وزارتي الزراعة والمياه كانتا تشددان في منع الأهالي من الحفر العشوائي للآبار، حتى لا يحدث استنزاف جائر ومجحف، وتكون النتيجة أن تعز مدينة لا يمكن تركها بدون ماء، أما تلك المناطق فعليها السلام إنْ جفت آبارها. كان المزارع لا يحصل على ترخيص حفر بئر إلا بتشدد وخسارات مالية تصل إلى خمسة ملايين ريال، اليوم دخلت مديرية التعزية في ماراثون حفر الآبار، منذ سقطت قيمة الدولة وهيبتها منتصف العام الماضي. في التعزية يتصرف مالك الأرض كيفما يشاء، وكأن حقه الطبيعي يمتد إلى استنزاف ثروات أجيال المستقبل، أو كأنه المقيم الأبدي على هذه الأرض، وبالتالي يعيش متحرراً من الشعور بالمسؤولية تجاه مستقبل أرض وجيل سيأتي يبحث عن مقومات بقائه حياً كريماً. وكل من حفر بئراً أو أكثر يقدم لك مبرراً واحداً:”فرصة الدولة ماهليش”. نعم، ميلاد نظام سياسي جديد وأفول آخر يستدعي بعض الارتباك والترهل في قدرات الدولة، ولسنا بلداً عريقاً في ديمقراطيته، ويعمل وفق نظام مؤسسات تمسك هيبة الدولة من التداعي، بل نعيش في ظل نظام عائلي، كان لابد أن تسيل دماء كثيرة وفلتان أمني كبير في سبيل التخلص منه، وذاك لا يعني مطلقاً أن نكون معاول هدم، أو أصحاب مشاريع شخصية، تستثمر كل غياب للدولة في تحقيق مصالح أنانية، وغايات غير نبيلة. الماء مثل النفط؛ ثروة سيادية، من حق الدولة الإشراف المباشر عليها، وتقريباً ثلث الحروب والنزاعات في التاريخ كانت بسبب المياه، ومن يحفر بئر ماء ويخرج منه نفط لا يستطيع القول: النفط نفطي. ويتحول إلى مصدر للنفط، وبميناء خاص، وسعر منافس، بل يُعطى تعويضاً مناسباً، وتكون الدولة هي المالك الشرعي الوحيد لهذه الثروة السيادية. ألمانيا واليابان نموذجان للدول الاقتصادية العملاقة التي تعيش بدون ثروات نفطية، لكن لا وجود لدولة أو شعب من دون ماء. لا نريد أن نكون كبني إسرائيل: “يخربون بيوتهم بأيديهم”.. ومزارعو التعزية ماذا تقول الدولة لأحفادكم حين يهتفون: “نحن رعاياك يا دولتنا.. نريد ماء”، هل تقول لهم: قد استنزفه جشع أجدادكم؟!. الدقائق الهاتفية التي تحدثت فيها مع وزير المياه والبيئة عبدالسلام رزاز يبدو أنه ستثمر خيراً؛ فقد أبدى الوزير تفاعلاً إيجابياً، ووعد أن يتابع مشكلة مياه التعزية مع المحافظ شوقي هائل، وأن يضع حداً للعبث بثروات البلاد. نشكر رزاز؛ فنحن لا نريد دولة تلعب دور شاهد عيان ينتظر متى تستدعيه المحكمة، بل نريد دولة توقف العبث بالحاضر والمستقبل، وتدفع المتسببين والنافذين إلى المحاكم، لا نريد مسؤولاً يحسن من وضعه أمام الكاميرا، بل نريد مسؤولاً يتأكد جيداً من أدائه الفاعل في الميدان. أهالي تعز ينظرون إلى شوقي هائل ك “المُخَلِص”، تنفس الناس الصعداء بمجرد إعلان شوقي محافظاً لتعز، وهو الآن أمام ملفات شائكة، وامتحان عسير، وإذا لم يجد من الناس عوناً فلا نجاح له ولا تنمية لهم. [email protected]