لست هنا بصدد تحليل أوضاع تلك الأنظمة العربية التي تشكلت وسادت خلال النصف الثاني من القرن العشرين،منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية،وفي ظل الحرب الباردة،حيث تشكلت تلك الأنظمة في معظم دول العالم الثالث،بعد استقلال تلك الدول من الدول الاستعمارية أو من خلال ثورات شعبية أو انقلابات عسكرية،ولكن بالعودة إلى تلك الحقبة الزمنية بأبعادها المختلفة اقتصادياً، وسياسياً،ومقارنتها بأنظمة حكم تشكلت مابعد الحرب الباردة بأسلوب ديمقراطي تعددي،أساسه التداول السلمي للسلطة في كثير من دول العالم الثالث ومنها دول في أوروبا الشرقية وفي بعض دول أمريكا الشمالية،فإن هذه العودة إلى تلك الحقبة الزمنية،تمثل مدخلاً موجزاً لما نحن بصدده في هذه المقالة،وهو ما يجب تقديمه إلى المؤتمر الوطني للحوار،وصولاً إلى التغيير الكامل. لقد لعبت الحرب الباردة،وانقسام العالم إلى كتلتين، شرقية وغربية دوراً رئيساً في تشكل أنظمة الحكم في دول العالم الثالث بعد استقلال وتحرر دولها من الاستعمار أو بعد ثورات شعبية أو انقلابات عسكرية،تشكلت أنظمة الحكم تلك بمباركة إما غربية أو شرقية،وحملت في أدبياتها ووثائقها التشريعية والقانونية والسياسية شعارات ومصطلحات ومفاهيم توحي بالتوجه نحو التغيير والتجديد،مثل: النظام الجمهوري ، الديمقراطي ، الحرية .. إلخ استحوذت تلك المفاهيم والشعارات على اهتمام شعوب تلك الدول،بل واهتمام الدول الاستعمارية وشعوبها أيضاً، ولكن ولأنها أبدت استعداداً في ولائها وتبعيتها إلى أحد المعسكرين،مكنتها من أن تُعيد إنتاج آليات وأساليب الأنظمة التي سبقتها وإن بمسميات جديدة، أعطتها المشروعية في حكم شعوبها وإن بأساليب وآليات استطاعت من خلالها نهب الثروات والسيطرة على السلطة والحكم لفترات زمنية فاقت الفترات الزمنية للأنظمة التي ثارت أو انقلبت عليها. لقد استمرت الدول المتقدمة في السير نحو التقدم والتحديث والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، في الوقت الذي فيه استمرت أنظمة الحكم في دول العالم الثالث ومنها الدول العربية في التخلف والسيطرة على الثروات والسلطة والتحضير والاستعداد لتوريثها لأبنائها من بعدها، أنظمة أرادت أن تحكم مدى الحياة. انتهت الحرب الباردة بتفكك الاتحاد السوفيتي وتفكك الكتلة الشرقية بشكل عام في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين متزامناً مع ثورة المعلومات والاتصالات والعولمة بأبعادها المختلفة، وتحولات ومتغيرات مثلت تحديات لأنظمة حكم مطلقة كان يجب عليها الاستعداد والتحضير لتجاوزها في ظل نظام ومجتمع عالمي جديد يؤثر ويتأثر في المجتمعات المحلية المكونة له، ليس فيه حواجز وليس هناك استهدافات سلبية كما يصورها البعض،هذا البعض الذي مازال مشدوداً إلى الماضي ولم يتحرر من خزعبلاته، بل هناك استهدافات متبادلة تفرضها العولمة المعاصرة وعلى الجميع أن يفهم ذلك،وأن تقوم بإصلاحات اقتصادية وسياسية تتلاءم وهذه التحولات والتغيرات،وأن تستفيد من تلك المرحلة التي عملت فيها الدول والمنظمات الدولية ومنها البنك والصندوق الدوليين ومنظمة الأممالمتحدة والبرامج والوكالات التابعة لها على تقديم البرامج الإصلاحية والمساعدات،من أجل التحول والتغيير،لكنها استمرت في إدارة وحكم شعوبها بنفس الآليات السابقة باستثناء دول أوروبا الشرقية وبعض دول أمريكا اللاتينية، كانت معظم الأنظمة في هذه الدول وبالتحديد عند مطلع العقد التاسع من القرن العشرين تراهن في بقائها في الحكم على مناخ الحكم الذي أوجدته خلال حكمها لشعوبها وعلى الثروة والسلطة. لقد أخذت تلك الأنظمة ببعض ما تضمنته تلك البرامج الإصلاحية من وصفات لغرض الحصول على المساعدات والقروض والمنح،وما يُعينها على بقائها في الحكم،مثل:رفع الدعم عن السلع الأساسية والمشتقات النفطية ورفع أسعار الخدمات وبيعها بأسعار مربحة،وتركت الجوانب المهمة التي تضمنتها تلك البرامج الإصلاحية مثل:التعددية السياسية،الديمقراطية،المشاركة ، التداول السلمي للسلطة،واللامركزية .. إلخ واعتبرتها إصلاحات تهدد بقاءها في الحكم،إلى أن وصلت الأوضاع الاقتصادية، الاجتماعية ، والسياسية إلى مستويات لايمكن السكوت عنها،لكن ثورة المعلومات والاتصالات والعولمة والتوجه العالمي الجديد دفعت الشباب في تلك الدول القيام بثورات وانتفاضات على أنظمة الحكم القمعية فيها، وخرج الشباب إلى الساحات للمطالبة بالتغيير والتحول وبأنظمة حكم بديلة، أنظمة ديمقراطية تؤمن بالتداول السلمي للسلطة وتؤمن بأنها جزء من عالم لايقبل بالركود، عالم متغير باستمرار اجتماعياً، اقتصادياً، وسياسياً. ومن هؤلاء الشباب شباب الجمهورية اليمنية. لقد خرج الشعب اليمني في الحادي عشر من فبراير 2011م وعلى مدى عام ونيف في مظاهرات واعتصامات واستحداث ساحات للحرية والتغيير، وأعلن عدد من مراكز القوي في السلطة التأييد للثورة وصولاً إلى يوم الحادي والعشرين من فبراير 2012م حيث تحقق الهدف الأول لثورة التغيير بانتقال السلطة من الرئيس السابق إلى الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، هدف يعتبر الخطوة الأولى نحو التغيير والتحول الكامل في النظام اليمني. إن على الشباب في الساحات والأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني ومكونات قطاعات المرأة وعموم الشعب اليمني مسئوليات جسام، منها التوجه نحو التحول والتغيير الكامل وصولاً إلى دولة مدنية حديثة، دولة النظام والقانون والمؤسسات، دولة إتحادية فدرالية بنظام سياسي يقوم على أساس التداول السلمي للسلطة في المؤسسات والمنظمات الاتحادية والإقليمية، مالم فإن عليهم أن يلاقوا مصير شباب وثوار دول الاستقلال ودول الانقلابات العسكرية التي سادت في فترة الحرب الباردة، حيث حلت في تلك الفترة أنظمة حكم أكثر استبداداً وتخلفاً من أنظمة حكم ثارت عليها، طالما وعوامل وأركان التغيير والتحول اليوم كافية أمام شباب الساحات، شباب وثوار عصر العولمة وثورة المعلومات والاتصالات، وعليهم أن يستفيدوا من التوجه والدعم العالميين في بناء دولتهم المدنية الحديثة دولة النظام والقانون والحكم الرشيد، أساسه المشاركة والشفافية والمساءلة واللامركزية..إلخ. إن على كافة أطراف العمل السياسي بما فيهم شباب الساحات، والحراك الجنوبي ومعارضة الخارج، والحوثيون، والقوى السياسية الأخرى في الشمال وفي الجنوب ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام والمستقلون ومكونات قطاع المرأة الإسراع نحو إعداد وتجهيز أوراق ومشاريع عمل استعداداً وتحضيراً للمؤتمر الوطني للحوار الذي بانعقاده يكون اليمنيون أمام استحقاق سياسي واقتصادي واجتماعي بدعم محلي وإقليمي ودولي عليهم استغلاله إلى أقصى حد ممكن، فيه الخروج بمشروع دستور يمثل عقداً اجتماعياً وسياسياً لليمنيين يتضمن تحديد شكل الدولة، وظيفة الدولة، النظام السياسي، الأسلوب والآلية التي يمكن من خلالها أن تشكل مؤسسات الدولة، بحيث تستوعب تلك الأوراق والمشاريع المقدمة للمؤتمر الوطني للحوار كافة التحولات والتغييرات المحلية، الإقليمية، والدولية، وتحديات العولمة والمفاهيم الاقتصادية والسياسية والحكم الرشيد والشفافية والمساءلة والمشاركة، وتكون تلك الأوراق والمشاريع مقبولة على كافة المستويات المحلية والدولية، وعلى الجميع أن يعي بأن أهمية مساهمة أي طرف في المؤتمر الوطني للحوار تتوقف على أهمية وقوة الورقة أو المشروع الذي يقدم وقدرتها أو قدرته الاستيعابية لهذا التحول والتغير الذي ينشده المجتمع اليمني والذي قامت من أجله الثورة. برقيات: الإخوة في التجمع اليمني للإصلاح: الكرة الآن في ملعبكم، عليكم أن تقدموا مع شركائكم في تكتل اللقاء المشترك وشركائه مشروع أو ورقة عمل للمؤتمر الوطني للحوار يتضمن أو تتضمن أسس الدولة المدنية الحديثة دولة المؤسسات، دولة اللامركزية، وأن تعتبروا أن مايحصل اليوم على الساحة اليمنية بمباركة دولية إنما من أجل بناء الدولة المدنية الحديثة ولا تستأثروا بهذا النجاح على المدى القصير. وعليكم أن تكونوا مع دولة اتحادية فدرالية تستوعب قضيتي الجنوب والشمال، دولة فيها التداول السلمي للسلطة فعلي وحقيقي وليس شعار فقط، دولة تلعب المرأة فيها دوراً فاعلاً في مؤسساتها الحاكمة ومشاركة في صناعة السياسة والقرار، دولة فيها الرأي والرأي الأخر يحترم، دولة تؤمن بالشراكة مع دول العالم سياسياً واقتصادياً، هذا هو نجاحكم على المدى القصير والمتوسط والطويل إن أردتم ذلك. الإخوة في المؤتمر الشعبي العام: مطلوب منكم أن تتحرروا من الوصوليين في حزبكم أصحاب المواقف المتذبذبة والذين بمجرد أن يتعرض الحزب أو التنظيم لأي أزمة تراهم يغادرونه أو يتصرفون بشكل سلبي وهم الذين أوصلوا الحزب واليمن إلى هذا الوضع،وأن تستغلوا ماتبقى من عمر الدكتور عبدالكريم الأرياني والشخصيات التي تؤمن بالتعددية الحزبية والسياسية وهي موجودة في مختلف مكونات المؤتمر لبناء الحزب والمساهمة في بناء اليمن،وأن تقدموا ورقة عمل للمؤتمر الوطني للحوار تكون أكثر حداثة ومستوعبة للتحولات والتغييرات المحلية والعالمية حتى يستطيع المؤتمر من خلالها إقناع الرأي العام المحلي والعالمي في توجهاته الجديدة والمساهمة في بناء الدولة المدنية الحديثة. الإخوة في الحزب الاشتراكي اليمني وإخوانه من اللبراليين واليساريين الشعب اليمني في جنوبه وشماله يراهن عليكم كثير في عملية التحول والتغيير،حيث أثبت حزبكم خلال عقدين من الزمن بأنه رقم صعب يستحيل تجاوزه برغم استهدافه،فأنتم اللاعب الرئيس في تحقيق الوحدة اليمنية والإعلان عن قيام الجمهورية اليمنية، وأنتم من قرن الوحدة بالتعددية الحزبية والسياسية،عليكم أن تقدموا مشروع أو ورقة عمل إلى المؤتمر الوطني يستوعب كل التحولات والتغييرات وأن تعززوا من لبراليتكم وأن توظفوا التحول الرائع في سياسات التجمع اليمني للإصلاح شريككم الرئيس في بناء الدولة اليمنية الحديثة مستوعبين القضية الجنوبية التي هي قضيتكم أصلاً ومستوعبين للقضية الشمالية أيضاً. والله من وراء القصد * مدير عام المجالس المحلية سابقاً إب