ضمن عدد من المهتمين بالاستعداد والتحضير للمؤتمر الوطني للحوار ، وفي جلسة نقاش ، أحدهم كان إلى جواري ، وبدأ يتحدث بصوت منخفض ، وعلى عكس ما ظهر عليه معظم الحاضرين من تفاؤل وتطلعات إلى مستقبل أفضل ، يُفضيٍ إليه “ مؤتمر الحوار الوطني “ المزمع عقده في الفترة القادمة . بدأ حديثه... “ الخُبرة زيّدوا بالتفاؤل – يقصد الحاضرين في الجلسة – ونسوا مؤتمرات عُقدت خلال الفترة 1963م – 1970 م ، أخرها مؤتمر المصالحة بين الجمهوريين والملكيين ، والذي كان من نتائجه ، تقاسم السُلطة والثروة بين هذه الأطراف، وإدارتها بما يضمن لها مصالحها وبقائها في الحكم عقوداً من الزمن “ . مواصلاً “ ونسوا أيضاً ان الراعيين لتلك المؤتمرات هم الراعون لمؤتمر الحوار الوطني المرتقب “ . وزاد على ذلك “ ما أشبه الليلة بالبارحة “ ، فرد عليه الحاضرون “ فأل الله ولا فالك “ ، وأجمع الكل على أن “ مؤتمر الحوار الوطني “ اليوم غير مؤتمرات الأمس . حيث الأول يأتي في ظل تحولات وتغيرات محلية ، إقليمية ودولية . وأنه غير تلك المؤتمرات ، من حيث مكوناته وأبعاده ومرحلة إنعقاده . ليس هناك ما يجعلنا أن نسقط ما حدث في تلك المؤتمرات ونتائجها ، على “ مؤتمر الحوار الوطني “ المرتقب . فالحوار يأتي بعد تحقيق الوحدة وإعلان “ الجمهورية اليمنية “ . حيث توسع حجم الدولة ومساحتها . وتََضخَم الجهاز الإداري لها ونشاطه . وأصبح الشماليون والجنوبيون شركاء فيها ، ومن غير الممكن إدارتها من المركز ، دون الاتفاق على آلية جديدة لإدارتها مركزياً ومحلياً . فازداد الخلاف بين شركاء الوحدة وبين أطراف العمل السياسي بشكل عام . فشهد اليمن خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين ، متغيرات محلية وإقليمية ودولية ، في مختلف المجالات ، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . حيث أفرزت تلك المرحلة ، تكتلات سياسية جديدة . وتغيُراً في “ الخارطة السياسية “ . وتقارباً بين أحزاب وتنظيمات سياسية ، وتباعداً بين أحزاب وتنظيمات سياسية أخرى ، وتحالفاً وانقساماً في مكونات القبيلة ، ومشاكل وقضايا في الشمال والجنوب وانتخابات تنافسية لأول مرة . وثورات عمت دول عربية ، بمباركة دولية ( ثورات الربيع العربي ) ، كُلها أفضت إلى “ ثورة الحادي عشر من فبراير 2011 م “ . فعمت المظاهرات والإعتصامات والاحتجاجات مُعظم محافظات الجمهورية ، وتصاعد “ الفعل الثوري “ . وشهدت الفترة نفسها اختلالات أمنية ، وعدم استقرار اقتصادي وسياسي ، وارتفاع أسعار السلع الأساسية والمشتقات النفطية وغياب الخدمات ، وإنقسام الجيش ما بين مؤيد للثورة وبين موالٍ للسُلطة حينها ، واستقالات من الحزب الحاكم ومن مؤسسات الدولة . وكانت الحاجة إلى «التسوية السياسية» وبرغبة إقليمية ودولية . تلك التسوية التي جاءت بها «المبادرة خليجية » ، التي تم تعديل نصوصها ومحتواها أكثر من مرة ، ووقعت عليها الأطراف اليمنية في «المملكة العربية السعودية ». متزامناً مع التوقيع على « الآلية التنفيذية المُزمّنة» لها ، أحد مكوناتها الرئيسة “مؤتمر الحوار الوطني » . وعليه فإن « المبادرة الخليجية» ، وآليتها المُزمّنة ، والوفاق والاتفاق ، وبالتالي مؤتمر” الحوار الوطني « كُلها تُمثل » تسوية سياسية « للإنتقال السلمي إلى الدولة المدنية الحديثة ، ولتحقيق ما كان يدعو إليه الشباب بالحسم الثوري . ولذا فليس من حق أي طرف من الأطراف أن يحتفظ بما كان عليه ليقف به أمام التحول والتغيير والإنتقال السلمي إلى « الدولة المدنية الحديثة ». يأتي “ مؤتمر الحوار الوطني “ اليوم بعد توحيد الشطرين ، وبالتالي فإن أطرافه غير تلك الأطراف الممثلة في مؤتمرات الماضي ، حيث كانت مؤتمرات تصالح بين جمهوريين وملكيين في إطار “ الجمهورية العربية اليمنية “ ، ومؤتمرات الحزب الواحد في إطار «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» . فمؤتمر الحوار الوطني اليوم ، بين أطراف يمثلون أحزاباً وتنظيمات سياسية وشباب الثورة ، والمرأة ومكونات اجتماعية واقتصادية وسياسية أخرى . فالحوار اليوم ليس كما كان يتصوره “ الجمهوريون في النهار ، الملكيون في المساء”. فالاخوة في شمال الشمال مع “ الدولة المدنية الحديثة “ ، دولة تضمن لهم حقوقهم الاجتماعية، والاقتصادية ، والسياسية والدينية “المذهبية”. “ مؤتمر الحوار الوطني “ اليوم ، ليس كما كان يتصوره “ وحدويين “ ، الضم والإلحاق والفيد ، فالاخوة في الجنوب هم من دعي إلى الوحدة، وهم من أشترط الوحدة بالتعددية السياسية والتداول السلمي للسُلطة ، وهم اليوم من يدعون إلى “ الدولة المدنية الفيدرالية “ ، قبل فوات الأوان ، تضمن لهم حقهم - وحق إخوانهم في المحافظات الشمالية - في السلطة والثروة والمواطنة المتساوية . لقد تناول عدد من الكُتاب المهتمين بالشأن اليمني ، تلك المؤتمرات من حيث مكوناتها وأبعادها ومراحلها المختلفة وأهدافها واللاعبين فيها ، ( الدكتور / عادل الشرجبي وآخرون - القصر والديوان - 2009 م ) “ أن مقررات ووثائق المؤتمرات القبلية التي عقدها شيوخ القبائل خلال الفترة 1963 م – 1970 م يمكن تلخيص أهم توجهاتها ومطالب القبائل المتعلقة ببناء وطبيعة النظام السياسي فيما يلي : بناء دولة ذات نظام سياسي يُقّدم على أساس الشريعة الإسلامية ، وعلى أساس شورى أهل الحل والعقد ، وعلى رفض التعددية السياسية، وتنحصر المشاركة السياسية فيه على المواطنين الذكور ، إلى جانب استخدام هذه المؤتمرات للضغط على الحكومة لمنحهم نصيباً أكبر من القوة السياسية ، والحصول عل منافع شخصية فردية وجماعية “ ( ص 86). يأتي “ مؤتمر الحوار الوطني “ اليوم في ظل إهتمام إقليمي ودولي متزايد باليمن ، وفي ظل تحولات في سياسات وتوجهات دول الجوار ، إنعكاساً لتحولات وتغيرات اقتصادية وسياسية وإدارية شهدها العالم خلال العقود الثلاثة الماضية ، وفي مقدمتها تفكك الاتحاد السوفيتي وتفكك الكتلة الشرقية بشكل عام ، وانتهاء الحرب الباردة ، وانتهاء عصر الانقلابات ، والعولمة وتحدياتها والدخول في شراكة اقتصادية وسياسية على المستويين الإقليمي والدولي ، في ظل النظام العالمي الجديد . وعليه فإن من مصلحة دول الجوار أن يسود الأمن والاستقرار في اليمن ، وان تتعامل مع نظام حكم مؤسسي ، يعمل إلى جانب انظمة تلك الدول على ايجاد علاقة متوازنة يسود فيها أو من خلالها الاحترام والتعاون المتبادلين . ودول الجوار تدرك ذلك ، حيث “ المبادرة الخليجية “ – وهي اللاعب الرئيس فيها – تَتضْمن ما يؤدي إلى التحول والتغيير وصولاً إلى “ الدولة المدنية الحديثة “ التي ينشدها الشعب اليمني في الشمال والجنوب . فاحترام مكانة دولة ما على المستوى العالمي يتوقف على مدى قدرتها ومساهمتها في حل الخلافات القائمة بين الدول ، والدور الذي يُمكن أن تلعبه أمنياً ، واقتصادياً وسياسياً على المستويين الإقليمي والعالمي . إن « مؤتمر الحوار الوطني » المرتقب يجب أن يتجاوز الأسلوب التقليدي المتبع في مثل هذه المؤتمرات ، الحوار والنقاش على أساس أيديولوجي . فليكن الحوار حول كيفية وآلية الوصول إلى « الدولة المدنية الحديثة » والتأكيد الجمعي عليها ، وإقناع من لازال مشدوداً إلى نظام ما قبل الدولة بأهمية التحول والانتقال السلمي للسلطة . فالقوى التقليدية اليوم ليست بحاجة إلى أن تبقى بعيداً عن التحديث وليست بحاجة إلى أن تبقى في صراع معه ، بل عليها أن تبحث لها عن مكان في مساحات نتائجه ، لقد تكونت لديها ثروة ومال ، وأصبحت لاعبا رئيسا في الاقتصاد اليمني ، فهي بحاجة إلى استثمار أموالها في دولة مدنية حديثة ، ولهذا كله فإن « مؤتمر الحوار الوطني » اليوم غير مؤتمرات الأمس ، فلنتفاءل ولنغادر عُقدة الماضي . [email protected]