تتواجد حالياً في ساحات التغيير نشرة مصورة مكونة من 10صفحات صُفّت بالحاسوب تصدرها هذا الاسم: « الوثيقة الفكرية والثقافية »؛ فقط هكذا دون مسند إليه، فلا أحد يعرف وثيقة مَن أو صادرة عن أي جهة؟ لكننا نجد في أول وآخر نشرة الوثيقة ما يشير إلى أن المسند إليه هم الحوثيون: «... بأنه في يوم الجمعة الموافق 17/3/1433ه أجمعت اللجنة المكلفة لصياغة الاتفاق بين أبناء الزيدية عموما ومن جملتهم المجاهدون وفي مقدمتهم السيد/ عبدالملك الحوثي وبعض علماء الزيدية وأتباعهم وفي مقدمتهم السيد العلامة/ عبدالرحمن حسين شايم والسيد العلامة حسين بن يحيى الحوثي« ؛ وفي آخر صفحة هذه التذييلات: « هذه رؤيتنا وعقيدتنا وكتب: عبدالملك الحوثي؛ عبدالرحمن شايم؛ حسين الحوثي؛ علي علي مسعود الرابضي. الحمد لله على صلاح الشأن واتحاد الفكر والكلمة ومن المؤكد أن كلا من المختلفين لا يريد إلا الحق وعلم الجميع أن الاختلاف هو فيما لا يمس ولا يبعد عن أصول السنة المطهرة ولا القرآن الكريم فيجب أن نتمسك بالتواتر من فهم الآباء الأقدمين والآل المطهرين وزين العابدين والهادي على الجميع سلام الله ورحمته وبركاته ورد هذا الفقير إلى رحمة الله محمد محمد المنصور ناظر الوصايا 1433ه قمرية حمود بن عباس المؤيد محمد محمد المنصور» و الوثيقة بما هي خطاب أي بناء استدلالي، هي في صياغتها (خطاب يخبر عن) و(يتوجه نحو): « وما يقع من النقد للعلماء لا يقصد به علماء أهل بيت رسول الله.. »، « وعلى العموم فإن الجميع متفقون على منهج أهل البيت (...) وإن كنا نرجح أسلوب المتقدمين مثل الإمام الهادي.. »، « أما ما يقال من النقد على علم الكلام فليس المراد به علم أصول الدين ولا العقائد...». إن تلك الجمل والعبارات تحدد وجهتنا، ولا تحيلنا إلاّ إلى ملازم الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي (المُخبر عنه)، بل أنها لا تعدو كونها ملخصا وخلاصة لملازمه، و هي مصادقة من قبل الموقعين عليها فهي ميثاقهم وقد تعاهدوا صراحة على اقتفاء كل آثار الشهيد تصورا، مشاعرا وخطابا؛ كما أن خطابها موجه إلى الوسط الزيدي حيث ردود الأفعال تجاه أطروحات و أفكار أو آراء السيد حسين المثيرة للجدل في ملازمه تلك والتي يمكن التعرف إليها من الوثيقة نفسها؛ بل أن هذه الوثيقة ما كان لها أن توجد لولا ملازمه وما تحويه من هذه الأفكار: - أن واقع الأمة الإسلامية هو الضعف والعجز وأن السبب هو الاختلاف بين المسلمين وأن المسلمين، وعلى رأسهم زعماؤهم، تخلوا عن مسؤولياتهم عن نهضة وقوة أمة محمد في كل المجالات؛ وهذه هي المسؤولية الكبرى. - أن المسؤولية الكبرى.. مناط أهل البيت ويجب عليهم تحملها؛ وأول مهامهم هي الدعوة إلى الجهاد ضد أئمة الكفر وهم أمريكا وإسرائيل ومن والاهم من العرب والمسلمين. - إدانة كل عالم دين وكل مثقف لا يقول بالجهاد ولا بالوقوف في وجه المستكبرين، و محاربة كل نظام عربي يتحالف مع أعداء الله ورسوله. - أن المعيار النظري للحكم على السنة النبوية هما القرآن ومنهج آل البيت؛ وأن المعاير العملي لصحة السنة النبوية هو العالم الهاشمي. - رفض أصول الدين وأصول الفقه. - إبطال الاجتهاد أو إغلاقه. وكلها موضوعات كان قد درج السيد حسين على تناولها في ملازمه.. والتي كانت حيازتها أحد دلائل أجهزة أمن نظام صالح لإدانة واعتقال العشرات في عدة محافظات بين عامي 2005 – 2006 م. لقد استغرقت الوثيقة 5 صفحات في توضيح موقفها من مسائل الأصول، وقد كانت أصول اعتزالية الطابع: [التوحيد(بعدم الرؤية)، العدل، الوعيد، النزلة بين المنزلتين(من يستحق الشفاعة)، مرتكب الكبيرة]؛ بالإضافة إلى القول بأن القرآن معجزة خالدة؛ ومن الأصول، أيضاً، القول بالإمامة « بعد رسول الله لعلي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ومن أولادهما كالإمام زيد والإمام القاسم بن إبراهيم و... إلخ» وأن «نهج الهداية إلى يوم التناد: هو التمسك بالثقلين كتاب الله وعترة رسول الله؛ ويندرج ضمن الأصول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد الظالمين والوقوف في وجه المستكبرين... وعلى رأسهم أئمة الكفر المتمثلين في زمننا هذا في أمريكا وإسرائيل ومن أعانهم ووالاهم ووقف في صفهم في عداوتهم للإسلام والمسلمين واجب ديني فرضه الله على عباده...» ومن خواتم الصفحة ال5 هذه الفقرة: وأن للعلماء الربانيين العاملين منزلتهم التي أنزلهم الله بها في قوله:«يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» (11) [المجادلة : 11] فيجب احترامهم وتوقيرهم. وما يقع من النقد للعلماء لا يقصد به علماء أهل البيت وشيعتهم العاملين ولا علومهم وإنما من لا يرى وجوب الجهاد للظالمين ولا وجوب أمر بمعروف ولا نهي عن منكر بل يرى السكوت وطاعة من لا تجوز طاعته.» ويغزونا الانتباه في هذه الفقرة إلى تقديس العالم/ المفسِّر(الأنا) في مقابل إباحة العالم/ المفسِّر(الآخر)، وهذا ليس سوى تقعيد لمشروع اقتتال يقوم على مبدأ[أنا في مواجهة الجميع؛ فما داموا ليسوا معي فهم ضدي] وفي الصفحات ال5 المتبقية من الوثيقة فقد تضمنت العناوين الكبيرة الآتية يندرج تحتها إيضاحات الموقف منها أو تجاهها: - السنة النبوية:« إن موقفنا من السنة هو موقف الإمام الهادي (...) حيث اشترط لصحتها العرض على القرآن وأن تكون في إطاره مرتبطة به لا حاكمة عليه ولا معارضة لنصوصه وأنها مرتبطة بالهداية من آل محمد كأمناء عليها في اعتماد الصحيح من غيره؛ وهذا فيما نسب إلى الرسول ولم يكن متواترا، ولا مجمع عليه..» - أصول الفقه: « أما أصول الفقه فما كان مخالفاً للقرآن الكريم أو بدلاً عن آل محمد فهو مرفوض ومنتقد من الجميع وما كان منه موافقا للقرآن ويستعان به على فهم النصوص الشرعية في إطار آل محمد مع ملاحظة الدور الكبير للإخلاص لله والعمل بأسباب الهداية الإلهية (....) فهو مقبول معتمد لا اعتراض عليه ولا إشكال. » - الاجتهاد: « أما بالنسبة للاجتهاد فما كان منه يؤدي إلى التفريق في الدين والاختلاف في معرفة الله ومن غيره من أصول الشريعة أو إلى مخالفة نهج الآل الأكرمين أو إلى الإضرار بوحدة المسلمين وتكوين الأمة التي أمر بها رب العالمين«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» [آل عمران/104] أو مخالفة من أمر الله بطاعتهم وجعلهم ولاة للأمة – فهو اجتهاد مرفوض لا نقره ولا نرضاه بل هو مفسدة في الدين. وأما ما كان منه استفراغا للوسع والطاقة في البحث عن أحكام الدين وشريعة رب العالمين ملتزما بمنهجية القرآن الكريم وعلى طريق ونهج أهل البيت الأكرمين لا يؤدي إلى تنازع في هذه الأمة ولا مخالفة من أمر الله بطاعتهم وجعلهم ولاة للأمة محكوما بالضوابط التي وضعها ومشى عليها أئمة الآل عليهم السلام فهو مقبول ومطلوب ومحتاج إليه في معرفة الدين وخصوصاً فبما يستجد من المسائل.» - الاصطفاء: « (....) ونعتقد أن الله اصطفى أهل بيت رسوله فجعلهم هداة للأمة وورثة للكتاب من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة وأنه يهيئ في كل عصر من يكون منارا لعباده وقادرا على القيام بأمر الأمة والنهوض بها في كل مجالاتها: “ إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي مُوَكَّلاً يعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله ». - علم الكلام (أصول الدين) « أما ما يقال من النقد على علم الكلام فليس المراد به علم أصول الدين ولا العقائد التي مشى عليها أئمة الآل المطهرين وإنما المراد التعمق والأسلوب الذي أنتجه الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم وفق منهجهم وطريقتهم والتي هي مغايرة لطريقة ومنهج أهل البيت وإنما المراد التعمق والأسلوب الذي انتهجه الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم وفق منهجيتهم وطريقتهم التي هي مغايرة لطريقة ومنهج أهل البيت..» يجدر بنا الإشارة إلى أن الفرق، في تداولية الخطاب الزيدي، بين علم الكلام وأصول الدين أن الإمامة ملفوظ يقال في أصول الدين ولا يقال في علم الكلام. إن أول ما يمكن أن نلاحظه في العناصر الأساس التي تشكل بنية الوثيقة هو: (أهل البيت) وضرورة أهميتهم وحتمية هديهم وهدايتهم وائتمانهم على القرآن وتوريثهم له وإمامتهم ووجوب طاعتهم؛ إن مقولة آل البيت أو أهل البيت تمثل مركز الوثيقة ومدارها.وأخشى ما يخشاه الكاتب أن يكون أول ما نلمسه من شعور في الوثيقة وتجاهها وعنها ومنها هو الجوع؛ جوع قاس.. جوع رهيب.. بل ضَوَرٌ عظيم قد نحسب معه أن لن يُشبع صاحبه سوى أن يأكل العالم.. وما يجب أن نخشاه ،جميعاً، هو أن عقائد الوثيقة يمتنع معها أن يكون المرء زيدياً دون أن يكون مرغما على قبول مقوله (الإمامة) و/أو اقتصارها على نسل آل البيت. كما يتمنى الكاتب أن يكون مخطئا في مناقشته و/أو قراءته الآتية للوثيقة: أولاً: بالنسبة لدعوتهم للجهاد بالرغم من أنه لم يكن عنوانا رئيسا في الوثيقة إلاّ أن الجهاد كان كلمة أساس في الوثيقة وقد وردت ضمن مسائل الأصول؛ لكنها كما هو معروف مقولة زمنية ظرفية؛ واعتمادية.. ولأنها كذلك يمكن الالتفاف بها وعليها، بل أن ما يحدث بهذه الوثيقة ما هو إلا استمرار للالتفاف وسيستمر الالتفاف حتى إسقاطها أو تعطيلها.. ففي زمننا ثمة نظامين ملكيين(مقدسين) في العالم العربي هما الدولة السلفية في السعودية والدولتين الهاشميتين في الأردن والمغرب، وكلا النظامين عطلا تلك المبادئ أو الأصول وعلى رأسها الجهاد. ثانيا: فيما يتعلق بعقيدة/موفق أصحاب الوثيقة تجاه (السنّة) و(الاصطفاء) قبل الشروع في مناقشة علاقة السنة بالاصطفاء نود أن نذكِّر بنص فقرة «السنة النبوية » الواردة أعلاه لنسجل هذا الملاحظة: أننا نشهد احتكار ووصاية المفسِّر على المفسًّر(القرآن)؛ فهُم (آل محمد) فيهم وعندهم وحدهم يمتنع كل إمكان واحتمالات القراءة والتفسير باستثناء إمكان واحتمال الصدق والحق والصواب والعكس بالعكس فإن في غيرهم وعند غيرهم وكل غيرهم يخضعون لكل إمكانات واحتمالات القراءة والتفسير باستثناء الصدق والحق والصواب فإنه أبعد ما يكون عنهم؛ وإن حدث وتحقق هذا الاحتمال فيجب أن يصادق عليه سدنة الإسلام وكهنة القرآن( الهداية من آل محمد كأمناء عليها) صلوات الله عليهم. لا شك أن العقلاء في عامة المسلمين في العالم، جميعهم يفضلون موقف الإمام الهادي عليه السلام حين اشترط لصحة السُّنَّة «العرض على القرآن، وأن تكون في إطاره مرتبطة به لا حاكمة عليه ولا معارضة لنصوصه» ولكن الكاتب ،كغيره، يجد صعوبة شديدة في تطبيق حديث الاصطفاء « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِى كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ بَنِى كِنَانَةَ قُرَيْشًا وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِى هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِى مِنْ بَنِى هَاشِمٍ ». وأيضاً حديث الثقلين: « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً : كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض». فنحن لا نجد آية واحدة في القرآن تدل أو تشير إلى ذلك.. فآل إبراهيم في الآية:« إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ » يمكن أن يكونوا كثر وأقواما، ناهيك عن رفض الله استمرار الإمامة في ذرية إبراهيم في قوله:« وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ »[البقرة : 124] ثم إن الحديث إن صح وإن سلمنا بتحقق شروط العرض.. فهو ينتهي باصطفاء النبي محمد من بين بني هاشم، وهذا لا يلزم عنه اشتمال الحكم على نسله.. ولئن كان استثناء الله في عهده نافذ، حكماً وتحققاً، على الظالمين من ذرية إبراهيم فدليل الخطاب، أيضاً، أن عهد الله بإمامة الناس في ذرية إبراهيم الذين ليسوا بظالمين نافذ حكما وتحققاً؛ ولا نظن أن من العقل والاستدلال – وإنما هو من الهوى – أن يستثني أصحاب الوثيقة أنفسهم من استثناء الله.. فالمتحقق اليوم عن أصحاب الوثيقة أنهم ليسوا أئمة الناس؛ ولو سلمنا لهم بأن هذا لا يمنع من أن عهد الله نافذ فيهم حكماً فهل يسلمون بأن في العالم اليوم مَن هم من ذرية إبراهيم ليسوا بظالمين وليسوا من الآل الكرام؟ وهل وجد أو يمكن أن يوجد لدى أصحاب الوثيقة احتمال واحد أو إمكان واحد من بين كل الاحتمالات وكل أنواع الممكنات في الحياة والعالم والتاريخ أن يكونوا قد أخطأوا أو ظلموا أنفسهم – بمثل هذه الوثيقة أو غيرها – وظلموا غيرهم؟ ثالثا: لقد أوردنا نص موقف الوثيقة و/أو أصحابها من (الاجتهاد) كاملا؛ وأغلب الظن أن القارئ حين انتهائه من قراءته قد يقف على التباس يتعلق بالسياق الذي فيه و من أجله قد وضعت الآية » وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » أهي في سياق حرص الله على« تكوين الأمة» أم في سياق «الآل الكرمين» على أنهم تلك الأمة التي « أمر الله بطاعتهم وجعلهم ولاة للأمة»؟ ومع ذلك فالآية لا يمكنها أن تكون دليلا أو شاهدا لا على تكوين الأمة ولا على الأمر بوجوب طاعة من تجب طاعتهم. كما يسهل على القارئ ملاحظة وفهم: 1 - أن « مخالفة نهج الآل الأكرمين (....)أو مخالفة من أمر الله بطاعتهم وجعلهم ولاة للأمة» هو من محظورات القول بالاجتهاد فهو اجتهاد مرفوض لا يقره أصحاب الوثيقة ولا يرضوه بل هو مفسدة في الدين. وهذا يتضمن أن أي اجتهاد يهدد أو يشكك أو يضر أو يخرج أو يتمرد أو ينتقص أو يخفف من سلطة الأكرمين أو المقدسين ومن شرعية سلطتهم، فهو اجتهاد يضر بالأمة ويفسد الدين؛ وهكذا اجتهاد لا بد يجعل صاحبه تحت أحداق آل البيت وأوليائهم؛ إذ لا أحد يريد الإضرار بالأمة والفتك بالدين سوى أمريكا وإسرائيل ومن والاهم. 2 - وأن الاجتهاد الذي يسير « على طريق ونهج أهل البيت الأكرمين لا يؤدي إلى تنازع في هذه الأمة ولا مخالفة من أمر الله بطاعتهم وجعلهم ولاة للأمة محكوما بالضوابط....إلخ» وهذه الصياغة تدل إلى أن أي اجتهاد لا يسير« على طريق ونهج أهل البيت الأكرمين» هو اجتهاد يؤدي « إلى تنازع في هذه الأمة وإلى مخالفة من أمر الله بطاعتهم وجعلهم ولاة للأمة( الآل الأكرمين)». ومن هاتين الجملتين: «وأما ما كان منه استفراغا للوسع والطاقة في البحث...» ، «.... فهو مقبول ومطلوب ومحتاج إليه في معرفة الدين وخصوصاً فيما يستجد من المسائل.» يتكشف لنا بأن من يحاول تقديم جديد يلبي حاجة عامة أو خاصة في الأمة فذلك ليس اجتهادا بقدر ما هو مجرد استفراغ.. ما يعني أن الوثيقة قد بخست وضيقت على الاجتهاد ولم تعد ترى في العالم والحياة ما يستحق تعليقه بموقف الدين؛ ليس هذا وحسب بل إن الأهم هو أن الوثيقة أكدت على تمسكها بالفقه القياسي والتزامها به.. وهو الفقه الذي أصبح يعاني ما يعانيه من أزمة في الرؤية والمهج: فالتعبير هنا« فهو مقبول ومطلوب ومحتاج إليه» يعني بأن المنهج والضوابط والأصول هي ما تقرر الحاجة، بينما فقه المقاصد ينطلق من العكس.. أي أن الحاجة هي من يجب أن تقرر الشروط والضوابط. رابعاً: وعن قولهم بالاصطفاء من دون الناس فلا يسعنا إلاّ القول بأن الرسول قد واجه هذا الموقف من (الاصطفاء) والتزكية للذات عند الآخر(أهل الكتاب) إزاء الرسول وأتباعه، ومحاولة تأصيلها عند اليهود والنصارى(أهل الكتاب) كونهم ينسلون من إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب حتى أوشكوا على القول بأن أولئك الأنبياء كانوا يهودا أو نصارى: « أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى» (فكان جواب القرآن مشككاً):« قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (140) ، وحتى لو كانوا كذلك .. فقد قرر الله تعالى الفصل بين(أهل الكتاب) وبين من كانوا جذورهم.. في الآية التي تليها مباشرة بقوله «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (141) [البقرة/140، 141] والأمر نفسه، بل وأكثر.. في قوله تعالى:« أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (134) [البقرة/133، 134] خامساً: لقد دافعت الوثيقة عن حجج رفض السيد حسين بدر الدين الحوثي لعلم الكلام(أصول الدين) ورفضه لأصول الفقه؛ والتي كان أهمها أنهما يحتويان على تشريع للاختلاف والتفرق بين الأمة، ويجيزانه، ولذلك لا يجب اعتبارهما كتب هداية: « هذه الآية: « وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (105)[.. موجهة إلى المسلمين بالذات ينهاهم عن التفرق والاختلاف... إننا نشتكي من ثقافة رهيبة جدا في خطابها، هم ( المسلمون) محاولون كيف يسيرون على طريقة هم قد علموا قطعاً بأنها تؤدي إلى الاختلاف طريقة [أصول الفقه] [وعلم الكلام] وهذه المناهج التي تقدمت تؤدي إلى الاختلاف وجربت وأدت إلى الاختلاف وأصبح الاختلاف بابا من الأبواب التي تبحث فيها، أعني من المباحث التي أصبحت تتناوله كتب علم الكلام وكتب أصول الفقه نفس الاختلاف، وقدموا المسألة ضرورية يعني لا زم اختلاف، ثم انطلقوا يحاولون كيف يجعلون الاختلاف مشروعاً..» الدرس 41 ص 16 سورة آل عمران. «قالوا: يجوز قراءة كتب أصول الفقه وكتب علم الكلام يجوز؛ قالوا: لأنها من كتب الهداية، أين هي من الهدى؟ بعيدة من الهداية»- الدرس 25 ص 20 - سورة الأنعام. ويؤكد السيد حسين – وهو محق في هذا – أن القرآن لم يتضمن الاستدلال على وجود خالق(الله)، بل الاستدلال على صفاته.. ولكن لا ندري كيف غفل أو تغافل السيد حسين حين رفضه للاستدلال على وجود الله أن يكون مبدأ كلامياً أصولياً – وقد أيّدت الوثيقة ذلك معتبرة أن طريقة علم الكلام مغايرة لطريقة ومنهج أهل البيت – أن أول ما قام به الإمام القاسم بن إبراهيم(196 - 246ه) في « كتاب الرد على الملحد» هو إثبات وجود الصانع وحدوث العالم. كما أننا نشهد في موقفهم من أصول الدين وأصول الفقه استمرار الوصاية على القرآن والدين؛ فلا أصول دون (معيار الثقل الأصغر)...[وإذا سلمنا لهم بذلك فكم من الوقت سننتظر حتى يجدد نفسه المعيار(الآل المطهرون) لكي يقدم لنا أصولاً جديدة أو مواكبة لعالم اليوم!؟] ولو سلمنا جدلاً بإمكانية رد أسباب الاختلاف – الذي جعل الأمة ضعيفة لا تقدر على القيام بواجباتها – إلى تشريع المسلمين له على مستوى الأصول فإن معالجة ذلك يبدأ بإجماع الأصوليين على تقرير ذلك ومن ثم يأتمرون لإيجاد العلاج.. أما أن ينفرد شخص واحد أو جماعة بعينها ليقرر الأسباب والحلول ويحاول فرضهما فهذا سلوك متهور وغير عقلاني... إننا أمام ارتداد غريب على مذهب شُهد له بالتطور في الفكر الإسلامي والذي ينتظر منه – لمرونته وثرائه – أن يُخرج الفقه الإسلامي من أزمته ويحرر المسلمين من فقه القياس ويبدأ بتقعيد فقه المقاصد.. الفقه المخول لاستيعاب حاجات المسلم المعاصر في عالم لا يكف عن التغير المتسارع. وأمام سلفية تتطابق كثيرا من سلفية تلُدُّها هي الوهابية؛ وذلك في تقعيد وتأصيل (الولاء والبراء)، (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) و(الجهاد) القتالي بصرف النظر عن تطبيقها عند الطرفين. وفي النصية ومتناع الاجتهاد واحتكار المفسَّر وتقديس المفسِّر وأنه أبعد ما يكون عن الخطأ ولا يجب على أحد تناوله بالنقد: (لحوم العلماء مسمومة)؛ وأن ما عنده هو الحق وما عند غيره باطل... وأصبح لا يوجد فرق بين السلفيتين إلاّ بالفرق بين (الإمامة) و(الخلافة). وفي تقاليد استلاب وعي الطالب لعالمه أو شيخه؛ بل لا نبالغ إن قلنا – بعد أن نزيل فقط العبارات الدالة على العترة – بأن هذه الوثيقة تعود إلى خطاب تنظيم القاعدة في أوائل الثمانينات من القرن الماضي... لقد دكّت الوثيقة أركانا أو مبادئً عدة من أهم أركان الأصول بحسب المذهب الزيدي أو الزيدية والتي تميزت وانفردت بها عن باقي المذاهب الإسلامية العامة.. كمبدأ الاجتهاد – في الأصول خاصة – كشرط لإمامة الأمة، أو تولي أمور المسلمين أو لأن ينال العالم درجة الحُجّيّة؛ و هو ما يعني عدم التقليد في الأصول بالضرورة؛ وكل ذلك في إطار رؤية – أصلها اعتزالي – هي الإيمان بالعقل القرآني.. وفي وسعنا النظر إلى مقولة الوثيقة الأساس (الجهاد) على أنها هروب من مبدأ الخروج على الظالم ومصادرة لواجب مواجهته ونقل أو ترحيل ،فراغي، للمعركة إلى الخارج ( أمريكا وإسرائيل) وهما بطبيعة الحال ليستا خارج حدود اليمن وحسب، بل خارج طاقة العرب والمسلمين!! ولطالما كان الاجتهاد مرتبطا بالتغير السياسي عموما وأنه كان المرجعية النظرية – متسلحا بالمبدأ العملي (الخروج على الظالم) – لنقل السلطة وتداولها في اليمن خصوصا. لقد رفض السيد حسين الاجتهاد كما رفض (أصول: الدين والفقه) وهو بذلك قد صفّى المذهب – على حد قوله وقول الوثيقة – من أسباب الاختلاف والتفرق بين الأمة [ فبما نسيا أو تناسيا أن قولهما عن أن الله « لا تدركه الأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة » قد فرق بينهم وبين القائلين بالرؤية..] و أيضاً كي يصل ويحصل على (الاصطفاء) لكي يقرر بالتالي الاجتهاد من أجل وتحت زعامة المصطفين المستأمنين على الكتاب والدين. لقد رفض السيد حسين الأصول لأن الأصول كانت غاية المجتهد الزيدي في سعيه لاستحقاق تولي السلطة. وأخيراً لا يمكن قراءة تلك الوثيقة بمعزل عن المشهد السياسي والاجتماعي اليمني الراهن حيث يتجلى غياب وهشاشة سلطة الدولة؛ إبان مشهد ثوري انحلت فيه كل القوى السياسية والاجتماعية إلى فئات أو تحالفات فئوية منعزلة، كل واحدة لها غاية واحدة هو الظفر بنصيب الأسد من كيان الدولة؛ ولئن كانت تلك هي الغاية فقد استسلمت كل تلك القوى للانقسام إلى ثلاثة أقسام: - قسم وجد غايته.. تتحقق في تقاسم السلطة مع النظام التي قامت الثورة ضده ( حزب الإصلاح بكل اتجاهاته، آل الأحمر، علي محسن)؛ دون أن يتحمل مسؤولياته عن مشاركته جرائم وأخطاء النظام.. - قسم يتمثل في ما تبقى من نظام علي صالح – قل أم كثر – يرى نصيب الأسد في التفاوض على استحقاقات (الثورة).. - قسم يرى في نفسه الاستمرار الحقيقي للثورة ويرى غايته في إسقاط كل أركان النظام السابق( الحركة الحوثية). - قسم لا يهمه ولا يجد غايته في بقاء النظام أو سقوطه ( حركات الحراك الجنوبي) لأن ما يهمه هو الانفصال كاستحقاق سياسي. وتخافت في الخطاب السياسي لدى الجميع الحديث عن لفظ الشعب وإسناد الثورة السلمية وغايتها إليه؛ كما ينعدم في خطابهم كل حديث يندرج تحت لفظ الجمع (الأمة) اليمنية ومستقبلها... فيما تحاول القوى الإقليمية والدولية ذات المصالح إعادة دمج كل فئات القوى السياسية – من خلال حوار وطني شامل – كمكونات (متوازنة) للدولة اليمنية.. إن تلك المعطيات، في إطارها العام هذا، لا يسع الكاتب معها إلاّ الخوف من أن يكون المستقبل هو هذا: - الحراكيون سيرفضون المشاركة في الاستفتاء على الدستور كون ذلك يتنافى مع مبدأ تقرير المصير وعودة استقلال الجنوب. - الأمر نفسه بالنسبة للحوثيين: - أخضعوا عمليا مدينة صعدة لسلطتهم إدارة وترابا.. (ولا يستبعد اقتطاعها إمارة لهم تحت مبرر – وبثوب – خيار الفيدرالية). - أعلنوا مقاطعتهم للحوار الوطني(ولم يتراجعوا عن موفقهم إلاّ أنهم في 26/ 4/2012م اشترطوا له شروطاً). - وأعلنوا وثيقتهم هذه التي تمثل دستورا لهم والتي لا يمكن أن تكون مبادئا أو ضمنا لدستور يحكم الشعب اليمني أو غيره؛ ما يعني أنهم سيرفضون المشاركة في الاستفتاء على دستور سيتنافى مع عقيدتهم/وثيقتهم أو لا يتضمنها. - فيما سيحاول الإصلاحيون و/أو السلفيون الوصاية على مبادئ الدستور... إن التمزق والصراع والمؤامرات وضياع الأمة أو تشرذمها هو المصير الماثل اليوم وغدا و.... ليتني مخطئ !! خير تحية للشاعر الأصيل في إبداعه/ طه الجند القائل: قالوا بأني رافضي قالوا بأني ناصبي قالوا بأني لم أبايع لا يزيد ولا علي.