كانت أصوات الأحزاب السياسية عالية جداً وهم يتحدثون عن القضية التي يناضلون من أجلها حسب قولهم وكانت معاناة الناس هي السطر الأول في كتاب القضية عند كل حزب, ثم إنهم جميعاً يدعون عشقاً للوطن والدين، ومنهم من ذهب نحو القومية والأممية ومنهم من ادعى كل ذلك وأكثر. اليوم تبدو ملامح التيه واضحة في سياسات ومواقف كل هذه الأحزاب المتحالفة والمشتركة, وأحسب أن أكثرهم بل جميعهم قد تشابهت عليهم الأمور واختلطت وضاعت القضية الأساسية, واختفى السطر الأول والثاني والثالث ولم يبقَ سوى الادعاء والمغالطة. سيقولون إنهم مازالوا عند مواقفهم, لكن الواقع ينفي ذلك والشواهد كثيرة, ودعونا نستعرض أهم قضايا أحزاب التحالف والمشترك بعد التقاسم, فالمؤتمر ومن تحالف معه ليس لهم من قضية سوى الحفاظ على نصف الكعكة ومحاولة استعادة ما تم فقده وهذه أولوية بالنسبة لهذا الطرف وكل الجهد يُبذل في سبيل تفادي نتائج المرحلة الماضية، ولعل ذلك قد استهلك كل التفكير والجهد على حساب قضية وطن وشعب ولم يعد بمقدور هذا الطرف الدفاع عن مصالح غيره وهو في هذا الوضع. أحزاب المشترك التي كانت في الفترة الماضية تصرخ بأعلى صوتها فيما يسمونه دفاعاً عن مصالح الناس والوطن انتهى بها الأمر إلى سلة التقاسم فقبلوا بالنصف وصارت قضيتهم الراهنة إكمال المشوار للحصول على الكل والجهد المبذول حالياً ينصب في سياق إضعاف الطرف الثاني لمصادرة الكعكة، فالنصف لا يكفي لأن الشركاء كُثر سواء في المشترك كأحزاب رسمية أو في الداعمين غير المنضوين تحت المسمى وهم أطراف عدة استدعت المرحلة الماضية التحالف معهم في مواجهة خصم بدا لهم أنه أكثر قوة منهم لأسباب عدة. المؤتمر كان متفرداً في السلطة وله من سلبيات الحكم ما يكفي لاستغلالها في لعبة المناكفات والصراع وكسب النقاط من قبل الطرف الساعي لإسقاطه للسيطرة على كامل السلطة, وعلى هذا الأساس تدور اللعبة وتنسج الخيوط, والسلبيات حقيقية ولكن قضية استغلالها والاستفادة منها ليست تلك القضية التي كانت مرفوعة من قبل، فقد تغيرت مسارات السياسة وطرأت قضايا بعيدة عن مصلحة الوطن والناس أو على الأقل ليست الأولى. الصوت الحاضر بقوة من أحزاب المشترك هو صوت الإصلاح وهؤلاء فشلوا عندما حكموا ساحات التغيير وارتكبوا من السلبيات ما ينذر بكوارث لو وصل بهم الأمر إلى الانفراد بالسلطة عندما تغيرت القضية الأساسية وضاعت في حضرة القضايا الخاصة عند سائر الأطراف وتحديداً عند الذين جاءوا على أساس قضية عادلة ثم عدلت عن الطريق, ظهرت خلافات في أوساط تلك الأحزاب فنتج عنها اختفاء بعض القيادات وسكوتهم وارتفاع الأصوات الأخرى متذمرة من الإقصاء والتهميش وخوف البعض من اندفاع قيادات الإصلاح المهيمنة على أحزاب المشترك في مطالب لا سقف لها ومن قيادات جرت صناعتها باستعجال لتتصدر المشهد دون تجربة سياسية حقيقية. أعلم جيداً بأن النفي سيأتي على كل لسان حزبي وسيصر كل حزب أن قضيته الأولى والأخيرة هي الوطن والناس، ولكن الواقع لا يقبل بالمزيد من الضحك على العقول ونحن نرى المؤتمر يستميت في الدفاع عن شطر الكعكة وما تبقى له من أوراق يلعب بها للحفاظ على وجوده في السلطة, بينما يستميت المشترك بزعامة الإصلاح في السيطرة على أكبر عدد من المؤسسات بالإضافة إلى نصف مقاعد الحكومة التي جاءت بفضل المبادرة الخليجية, وذهب الليبراليون للتحالف مع المشايخ وحجزوا مقاعدهم في ديوان الشيخ وتداخلت التحالفات بعد ذلك وتعددت حتى لا أحد يعلم ماهي القضية التي يمكن أن يدافعوا عنها في ظل تناقضات صارخة في الفكر والثقافة وفي السياسة أيضاً.