تتقاطرُ في مسافات روحي قوافل صور الشهداء وهم يفترشون الأرصفة والميادين .. حتى لا أكاد أجد موضعاً لفرح .. أو أمل .. أو بقايا إنسانية .. أو نافذة حلم أعبر من خلالها لبرّ الطمأنينة والأمان. ولعلّي أبدو هنا متشائماً بقدر الخيبات العالقة في شرايين الوطن .. والجراح النازفة بشكلٍ يوميّ .. وكأن الحق والعدل والحريّة والمواطَنة الكريمة لا تصحّ إلا على فوهة الدم والخسارات الكبيرة .. والقلق المتجدد .. والعنف الدنيء .. واللغة المجحفة بحقّ أنبل موروثٍ يُسمّى وطن . فما الذي يحدث ؟ ولماذا ارتضينا هذا القبح أن يغدو سمة حياتنا ومصائرنا المكدّسة على تراب المجد .. بينما لم ننتبه جيداً إلى القيمة الحقيقية للإنسان والحفاظ عليه بقدر ما نحافظ على مكونات زائلة لا تستحق قطرة دمٍ واحدة. هل أصبح دم الإنسان رخيصاً لهذا الحدّ؟ وحياته لا تساوي إلا رصاصة طائشة أو مصوّبة بإتقان ممن وهبوا نفوسهم للشيطان .. وارتضوا أن يعيشوا على حقول الدمار والفواجع وأنين الثكالى !. هل التغيير الحقيقي لا بد أن يقوم على تضحياتٍ وخساراتٍ كهذه؟ ولن نسميها ثورة إلا بعد رحيل أعزّ الشباب وتدمير أغلى مكونات الوطن؟ إنّ التغيير يحتاج لعقول واعية وحصيفة في تحركاتها وطرحها للخروج بأقلّ الخسائر لا أن تروّج للقتل البشع كأنها تستمدّ قوة شرعيتها من رائحة البارود والأشلاء المتناثرة وإحراز أكبر قدر من المكلومين والمعذبين إلى مالا نهاية .