يعيش الإخوان المسلمون في الدول العربية ربيع أيامهم ، فقبل سنة ونيف لا أكثر كانوا عرضة لملاحقة أجهزة الأمن والاستخبارات ، فيما هم الآن قاب قوسين من السلطة والإمساك بمفاصلها...وبعد أن كانوا عرضة لبطشها ، ها هي السلطة بعد لأي تنقاد خانعة خاضعة ، كأنما أتت تجرجر أذيالها. وباستثناء تونس حيث نسبة التعليم هي الأعلى في الوطن العربي ، وحيث الطابع العلماني متغلغل في الحياة الاجتماعية ..لم يحدث أن اقترب الإسلاميون من الحكم كما الآن ، لا في اليمن فحسب ، وإنما في مصر وليبيا .. و سوريا لاحقا. ورغم أن غيرهم أشعل جذوة ما سمي بالربيع العربي ، إلا أن لهم الحظ الأوفر من ثمارها، فهم بعد عشرات السنين من ظهورهم كجماعة سياسية اكتسبوا الكثير من الخبرة التنظيمية ، جعلتهم الأكثر قدرة على الحصاد وجني الثمار .. إخوان اليمن بخلاف الإخوان المسلمين في كثير بلدان عربية ،لم يطلهم قهر السلطة وبطشها بل كثيرا ما التصقوا بها وان لم ينفردوا بالحكم ، لظروف شتى حالت دونهم والحكم ، وفي شمال اليمن حصرا وصل تماهي السلطة مع الإخوان حد تسنم قياداته مناصب رفيعة تجاوزت أجهزة الدولة المدنية، الى الأمنية والعسكرية. وفيما كان أعضاء هذه الجماعة عرضة للملاحقات والسجون في طول البلاد العربية وعرضها، من قبل الأجهزة القمعية البوليسية للسلطات الحاكمة، أدى إخوان اليمن أدوارا هامة من قصور السلطة الفارهة وبساطها المخملي .. منذ ثورتي سبتمبر وأكتوبر، كانوا أداة السلطة وذراعها المتين في الصراع ضد الحكم الماركسي في جنوباليمن، وعن طريق جناحهم المسلح، خاضوا حروبا شرسة ضد الجبهة الوطنية في المناطق الوسطي خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي لصد التمدد اليساري المدعوم من نظام الجنوباليمني حينذاك. .. وعمدوا الى تثبيت دعائم النظام السابق ، بدافع إيديولوجي ، جرى استغلاله لمجابهة التمدد الشيوعي المفترض من الماركسيين الجنوبيين .. البرلماني اليمني على المعمري قال إبان فورة الثورة الشبابية العام المنصرم : لا جزى الله الإخوان المسلمين خيرا فهم وفروا الدعم والحماية للنظام لسابق ولولاهم لتهاوى في مرحلة مبكرة من الثمانينيات.. في تلك المرحلة اكتفت الجماعة بمناصب متفرقة في جهاز الدولة... لم يتجاوزوها وان ظل طموحهم مشدودا الى مواقع متقدمة في الدولة،غير أنهم على إدراك تام بالخطوط الحمراء التي لا ينبغي القفز عليها، وهي محددات لقوى إقليمية وعالمية عملت جاهدة على منع وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم.. عوضا عن ذلك ركزوا عيونهم على مناهج التعليم لبناء جيل يساير ما يدعون إليه، ويحمل عبء تحقيق طموحاتهم السياسية.. فكان إنشاء المعاهد العلمية التي تولد من رحمها أجيال كاملة تشربت مفاهيمها وأفكارها.. ليصبحوا بعدها بعقود طرفا مؤثرا في ثورة الشباب السلمية. الظهور العلني لهذه الجماعة، حدث بعد وحدة شطري اليمن عام 1990م التي تزامنت بتعددية حزبية، ، تولد عنها حزب الإصلاح خارجا من عباءة المؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم حصرا في شمال اليمن قبل الوحدة، .. ومرة أخرى كأداة له لمقارعة شريكه في الوحدة الحزب الاشتراكي، حال لزم الأمر.. ليلعب الإصلاح دوراً محوريا في حرب صيف 94م، التي أطاحت بالاشتراكي ، واحتل الإصلاح المساحة ذاتها التي خلفها غياب شريك الوحدة، وصانعها الأول. وأيضا بخلاف الإسلاميين في سائر البلدان العربية حيث نصيبهم من السلطة أقبيتها وسجونها، كان إخوان اليمن الشريك الثالث في حكومة 93م الائتلافية والشريك الثاني في الحكومة التالية لانتخابات 1997م ، بعد غياب الاشتراكي ،.. ليتم إقصاؤهم تماما عن الحكم فقط بعد انتخابات 2003م. الإصلاح الذي تأسس رسميا كحزب سياسي في 13 سبتمبر 1990 علي يد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر زعيم اكبر قبائل اليمن ، كامتداد لحركة الإخوان المسلمين في اليمن ، وتكون من الشيوخ السلفيين وشيوخ القبائل المؤثرين في الخارطة السياسية.. له باع طويل في السياسة لا يجاريه حزب آخر في الساحة اليمنية، حتى المؤتمر والاشتراكي.. فهو في نشاطه سابق عليهما، إذ ترجع جذوره الى الأربعينيات من القرن الماضي ، فعندما قامت حركة 48م ضد الإمام يحيى كانوا دعامتها ، ولعب أشهر وأول موفدي الإخوان خارج اليمن الجزائري الفضيل الورتلاني دوار حاسما في الحركة.. عراقته تلك كما الإخوان المسلمين في سائر البلاد العربية ، فضلا عن شعارات دينية تلقى هوى لدى نفوس كثير من أبناء الشعب ربما فسرت قدرته على البقاء والاستمرارية و المناورات السياسية على قاعدة تبادل الأدوار، وفق مقتضيات الأيام وصروفها، وكشف بجلاء لمَ صار اللاعب الأكثر مهارة على المسرح السياسي.؟ الى ذلك هو الأوفر حظا في أي انتخابات نزيهة قادمة ، وللأمر مؤشراته ، فالإصلاح دائما ما شغل المركز الثاني في كل الانتخابات : انتخابات 93، 97م ، 2003م ، أما المؤتمر فقد كان ممسكا بقوة على مفاصل الدولة ومؤسساتها العسكرية والإعلامية والمالية. بل انه في انتخابات 2003م حاز أغلبية مقاعد النواب في أمانة العاصمة .. مركز الدولة ومصدر قوتها وهيمنتها . هو الآن اقرب ما يكون الى سلطة طالما حلم بها منذ حركة 1948م التي طوحت بآمال الإخوان في إيجاد موطئ قدم في دولة عربية وان كانت اليمن... لتنتعش آمالهم من جديد بعد ثورات الربيع العربي، التي أسقطت أنظمة علمانية استبدادية عاثت فسادا لعشرات السنين، ليظهر الإخوان على واجهة العمل السياسي ، كقوة لا يستهان بها، محملين بآمال عريضة لا في الوصول الى سدة الحكم فحسب، بل وفي إعادة مجد الخلافة الإسلامية وتاريخها التليد. الشيخ عبد المجيد الزنداني احد أهم أقطاب الحركة الإخوانية في اليمن ، وبعد تردد ، اندفع الى ساحة التغيير بصنعاء حيث الشباب المتحمس لإسقاط نظام انتهت صلاحيته، ليفصح بجلاء عن أمل ظل يحدو مفكري الجماعة لسنوات ، حينما بارك للشباب ثورتهم ، معتبرا إياها مقدمة لعودة الخلافة الإسلامية.. كان الزنداني يقرأ بحصافة المشهد السياسي على امتداد الخارطة السياسية العربية، فالأنظمة المستبدة تتهاوى ، في حين أن تيارات يسارية وقومية فشلت في تحقيق ما يصبو إليه المواطن العربي في تحقيق التنمية المنشودة ، ما وضع البلاد العربية على حافة البركان، ولم يبق غير الانفجار الذي ما إن حدث حتى تخلى الغرب عن دعم حلفائه المستبدين ، لتخلو الساحة للإسلاميين، ولتتجه الأنظار إليهم لتحقيق ما عجز عنه الآخرون، لاسيما بعد فشل المشاريع السابقة في بناء الدولة الوطنية الحديثة طوال أكثر من خمسين عاما . لا ضير أن نجرب الإسلاميين لسنوات، فقد جربنا غيرهم لعشرات السنين .. غير أنهم بخلاف تلك القوى التي بسطت سيطرتها على البلاد العربية وكانت تجد سندها في قوى دولية عالمية، فالإسلاميون إن وصلوا الحكم فبانتخابات حرة نزيهة معبرة تماما عن إرادة الشعب، وهم فقط سندهم ودعامتهم.. مثلما أن رفعهم لشعارات دينية عميقة الجذور في ثقافة هذه الشعوب يجعل سلوكهم دائما تحت مجهر فاحص يعيب عليهم ما يجوِّزه لآخروين أو يتغاضى عنه.. ، وهي شعارات ربما صارت عبئا عليهم ، خاصة انه تم استدعاؤها من ماضٍ سحيق وان كان مشرفا دونما اعتبار لمدى إمكانية تحقيقها واقعا، فالمواطن العربي يبحث الآن عن كرامته وخبزه لا أكثر ، ولا تعنيه إقامة دولة الخلافة قدر ما يهمه أن ينام شبعانا ، آمنا ، حرا... ما يحتم عليهم إزاحة هكذا شعارات مؤقتا من صدارة اهتماماتهم لصالح إجراءات عملية فاعلة تحقق لهذه الشعوب ما تصبو إليه من عزة وكرامة... علاوة على ذلك فحزب الإصلاح لا يتكون في مجمله من الإخوان فقط بل يتشكل من مكون آخر أريد له دعم الحزب ومساندته وهو الطيف القبلي الواسع في تركيبته ، إذ يوشك ان يتحول عبئا عليه ، بطبيعته المعيقة لأي سيرورة نحو بناء الدولة اليمنية الحديثة . وبدون أن يتخفف الإسلاميون من هكذا أعباء سيكون إقصاؤهم بعد سنوات قلائل لا من مسرح السياسية وإنما من التاريخ برمته.. فالتداول السلمي للسلطة سيصبح واقعا يفرض على الجميع التعاطي مع متطلباته.. وكما أتت السلطة تجرجر أذيالها دونما موعد ستذهب كهباء ريح في يوم عاصف .