تسمرت عيون المواطن العربي و المراقب الدولي لمدة ثلاثة أيام متتالية مغالبة رغبتها في النعاس على الحدث الأهم في الشرق الاوسط.. إنه قرار المصريين الحاسم, قرارهم شبه النهائي حول المسلك الجديد الذي سيتجهون إليه وإلى أي مدى سيتبعهم العالم العربي . توجه الناخب المصري صوب صندوق الاقتراع و مارس حقه الديموقراطي بحرية كاملة دون ضغوطات ظاهرية و دون إلزام قهري بإعطاء صوته لمرشح وحيد كما كان يحدث سابقاً. و جرت الانتخابات الرئاسية في أجواء هادئة و حضور متواضع نسبياً لم يتخللها أي خروقات قانونية على الأقل في الظاهر و لم تحدث أي مشاكل أمنية أو مواجهات كانت قد تفسد العرس الديموقراطي الأول بُعيد نزع ملك الديكتاتور السابق الذي استمر حكمه 30سنة . كانت العملية شفافة للغاية كما لم يحدث في تاريخ مصر من قبل. لكن هل استثمرت التجربة بالفعل؟ هل حققت و لو جزءاً بسيطاً من أحلام المواطن العربي ناهيك عن طموح المثقف العربي؟ . قال هنا الكثيرون لم يشأ المصريون كعادتهم أن يفوتوا الفرصة دون أن يقدموا للعالم مفاجأة جديدة توازي تلك التي خلعوا بها النظام السابق , فأعادوه مرة أخرى إلى الواجهة ممثلاً بالمرشح الرئاسي اللواء أحمد شفيق “رئيس الوزراء السابق”, و لأنهم أصحاب الروح الحلوة وأرباب النكتة في العالم فمن أراد منهم الفرار من الدكتاتورية العسكرية ارتمى في حضن نظام الدولة الدينية المتمثلة بجماعة الاخوان المسلمين باختيار مرشحهم د/ محمد مرسي. و نافس حمدان صباحي الذي كان بالفعل المفاجأة الأكبر “الحصان الأسود” و نافس باقتدار بإمكانيات متواضعة مقارنة بمن نافسهم , و لم تتفاوت حوله الآراء في الشارع و حظي بإعجاب الجميع فيما لم يستطع منافسوه أن يقولوا عنه ما يصرف عنه الناخب خصوصا بعد أن حظي بتأييد كبار المثقفين و العلماء و الفنانين على الساحة المصرية , وزاحم بشدة على المركز الثاني و بسط أجنحته على المدن الكبرى بشكل ملفت للنظر كالقاهرة و الاسكندرية و بور سعيد. و قد يكون لدينا كل الحق لو ادعينا أنه لولا تنافس حمدان والدكتور أبو الفتوح على أصوات أنصار الثورة و المثقفين و تشتيتها فيما بينهم لما استطاع أحد منافستهم على الوصول بسهولة إلى المركز الأول. و إلى أن تعلن النتيجة رسمياً “ لم تعلن حتى لحظة كتابة هذا المقال” يظل محمد مرسي هو المتقدم الأول في السباق ب : 5ملايين و 446ألفاً و 460صوتاً بما نسبته 25 % من إجمالي أصوات الناخبين فيما يكون المتصدر الثاني هو أحمد شفيق ب : 5ملايين و 388ألفاً و 285 صوتاً بما نسبته 24 % من إجمالي أصوات الناخبين. و فيما يرى الإخوان المسلمون أن نتيجة الانتخابات هي النتيجة الطبيعية لكفاحهم الطويل و المستمر على مدى 7عقود أو أكثر و عملهم الدءوب حتى الوصول الى منصة الحكم يرى الكثير من رؤساء الأحزاب و القوى الوطنية من الليبراليين و مثقفي اليسار أن ما حدث يعتبر نهاية كارثية غير متوقعة اطلاقا و انتكاسة قاصمة لظهر الثورة , بأن يقرر الناخب المصري الارتماء في حضن النظام السابق من جديد بعد كل ما حدث على مدار عام نصف . إلا أن الجميع متفق الآن على ضرورة حفظ ماء الوجه و العودة بالأمور الى نصابها و الوقوف بجدية أكثر في وجه المرشح الرئاسي شفيق , الذي أحدث كل هذا الإرباك غير المتصور من قبل الجميع وبدأت استراتيجيات جديدة للفوز في الشوط الثاني للاستقرار المنشود على كرسي الرئاسة لمدة أربع سنوات . فلقد أصبح لزاماً على مرشح الإخوان أن يعمل على كسب ود بقية المرشحين و فرقاء العمل السياسي خاصة أنه سوف يعتمد على رفض هؤلاء ظاهريا لمرشح الفلول كما يحلو لبعضهم تسمية اللواء أحمد شفيق.. فيما اتجه أحمد شفيق إلى التعبئة المضادة للإخوان فبدأ حملته الثانية سريعاً جداً بالاعتراف بالثورة والقول بأنها سرقت ممن قاموا بها في الأصل , و بإمطار الناخبين بالوعود العريضة من أنه سوف يستعيدها لهم ممن سرقوها و سيعيد ثمارها إلى من فجروها حسب وصفه في محاولة لاستمالة شباب الثورة الرافض لوجوده ضمن قائمة المرشحين منذ البدء و لاستمالة اليسار و “الأنتي إخوان” المتواجدين في الساحة .