إذا كانت وسائل الإعلام المتنوعة تلعب دوراً مهماً في تشكيل وعي الجمهور المتلقي وتؤثر فيه فإن المجتمعات لابد أن تسأل أنفسها أسئلة عدة: هل هذه التوعية صائبة أم خاطئة؟ وهل قامت جميع وسائل الإعلام - المرئية والمقروءة والمسموعة - بدورها الصحيح المنشود ورسالتها الإعلامية؟ وهل بُني إعلامنا على قواعد متينة تعمل على تثبيته وتقويمه وتشد على عضده؟ أم أن إعلامنا رُفع عنه القلم وأصبح يصول ويجول كالمجنون لا يرده راد ولا ترى أحداً يعمل على تنظيفه وجعله يسير نحو الطريق الصحيح. إن الإجابة على تلك الأسئلة تقودنا إلى الاعتراف بالمثل اليمني الشعبي:«العقل زينة»، وهذه الزينة هي التي نحتاجها في نحت الواقع الإعلامي المعاصر وعلاجه بآلة «العقلنة» التي يكون صمامها العقل السليم وغير الملوث تحت عنوان عريض مفاده «عقلنة الإعلام». ولذلك سوف نقترح بعض القواعد والمجالات التي تعمل على عقلنة الإعلام؛ نتيجة لما سمعناه وقرأناه ورأيناه بأن إعلامنا أصبح عشوائياً وأضحى مليئاً بالإطناب وبات نائماً على سرير الصراع يتأمل في مرايا المجتمعات التي تعكس الإعجاب والإثارة وكثرة القراء أو المشاهدين إلا من رحم ربي. إن عقلنة الإعلام بحاجة إلى الارتكاز على القواعد والمجالات الآتية: - التوجيه إلى تجذير قيم الوسطية التي تعمل على إقامة العدل ودفع الظلم، والتعامل مع الأزمات بالوسائل المناسبة والملائمة بواسطة الحكمة وفصل الخطاب، منطلقة من الدين القويم القائل سبحانه وتعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً» البقرة - 143. - التوجيه إلى عدم اتباع الهوى كما قال تعالى:«... ولا تتبع الهوى» ص - 26 ، وقد قال في ذلك الإمام الماوردي: «وأما الهوى فهو عن الخير صاد، وللعقل مضاد؛ لأنه ينتج من الأخلاق قبائحها، ويظهر من الأفعال فضائحها، ويجعل ستر المروءة مهتوكاً ومدخل الشر مسلوكاً». - التوجيه إلى استقامة الخطاب الإعلامي كاستقامة المسلم على دينه، قال ابن القيم في مدارج السالكين : «قال عمر رضي الله عنه: الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعالب...وقال أيضاً: فأمر بالاستقامة وهي السداد والإصابة في النيات والأقوال والأعمال». - التوجيه لما يؤدي إلى سعة الصدر والابتعاد عن الاستعراضية، وتجنب اللجوء إلى التجريح والإساءة والانتقاص والتهجم الشخصي الذي يورّث الصراع السلبي بكافة أشكاله. - التوجيه إلى إظهار وحدة الصف ووحدة الكلمة والتآلف والترابط والتماسك مع الآخرين. - ذكر الحقائق، والمصداقية في النقل والإذاعة والبث والكتابة واختيار المفيد. - استشعار المسؤولية الوطنية الكبرى، وسيادة قيم التسامح في كل المجتمعات... - التوجيه إلى الحوار البناء المليء بروح التعاون والوفاق الوطني وتحاشي السجالات والمناكفات التي لا طائل منها. - التوجيه إلى قول الحق وقبوله من أية جهة جاء ورد الباطل، كما قال ابن القيم: «فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان ومع من كان ولو كان مع من يبغضه ويعاديه، ورد الباطل مع من كان ولو كان مع من يحبه ويواليه فهو ممن هدى الله لما اختلف فيه من الحق». - التوجيه إلى الاعتراف بالآخرين وبخصوصياتهم وحاجياتهم وعدم إلغائهم وإقصائهم؛ لأنه لا شيء يستقيم في الحياة بدون الثنائية الوجودية. - تناول جميع قضايا المجتمع سواءً السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو التعليمية أو الصحية أو الغذائية وغيرها بصورة مكتملة، والتوجيه للنهوض بها جميعها دون نقصان. - التوازن والتنوع في البرامج واللقاءات والشخصيات والمقالات، والابتعاد عن الروتين الممل والانطواء على الذات، ومتابعة كل جديد، مع التوازن الذاتي والجماعي. - سلامة اللغة ووضوح العبارة وواقعية الأحداث وقوة الخطابات التي تخدم المجتمع، واستقلالية الأفكار وتناغمها بما يتماشى مع الحكمة والصواب الإعلامي. - تعميق العلاقات الإنسانية وتهذيبها والتوجيه إلى التواصل الفعّال الذي يجعل الناس يتفاهمون فيما بينهم كاستجابة إيجابية للخطاب الإعلامي. - التوجيه إلى رسم الخطط والبرامج والأهداف من حيث الإعداد والتدريب والثقة وغيرها... - وفي الأخير: أن يكون محركه العقل العملي والطامح إلى التغيير المنشود وليس العقل الخامل. من أجل تلك القواعد والمجالات نستنتج أن الإعلام بحاجة إلى عقلنة إيجابية تحقق التغيير والاستقرار وقبول الآخر وتوصل الإعلاميين إلى هدفهم، مبتعدين عن المغالاة في الأعمال التي يكون مآلها الانقطاع أو التقصير في تكاليف أخرى، مصداقاً لما قاله صلى الله عليه وسلم: «إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى» البيهقي والسنن الكبرى 3/18. [email protected]