يحاول كتاب روغان «العرب» توضيح التناقض الذي يمثله العرب في العادة. ويعد كتاب روغان ذا أهمية خاصة للغرب في استخلاص الدروس من التاريخ. والأهم من ذلك، تمكن كتاب «العرب» من إلقاء الضوء على أوجه التشابه لتلك الأمة المركبة والمتنوعة عارضا ذلك الخط الذي يجمعهم معا ويخلق تلك الهوية المشتركة. في عام 2005، كتب الصحافي اللبناني سمير قصير: «لا خير في أن تكون عربيا في هذه الأيام؛ فاعتلال النفس من شعور البعض بالاضطهاد، إلى كره الذات لدى البعض الآخر، هو القاسم المشترك الأعم في العالم العربي». ويتجاوز وصف قصير لأزمة الأمة العربية حدود الزمن. وقد اختار أوجين روغان بحكمة أن يبدأ شهادته التاريخية الحديثة «العرب» بتلك العبارة نظرا لأنه يعالج قضية محورية رصدها في كتابه وهي: إن التاريخ الحديث للعرب هو محاولة مستمرة للتواؤم مع الظروف الجيوسياسية المتغيرة، وبالتالي محاولة مستمرة لإعادة تعريف الهوية. وعلى الرغم من أن قدرتهم على التطور قد أثبتت فعاليتها بالنسبة لمساعيهم من أجل الاستقلال، فإنها كانت في الوقت نفسه، استمرارا لمحاولات تعزيز أو إقصاء عناصر مختلفة من عناصر هويتهم، وهو ما يقع في قلب أزمة العرب التي وصفها قصير.
وبالنسبة لمن يسعون لفهم التاريخ المركب للعرب، يقدم كتاب «العرب» طرحا مهما وناجحا؛ حيث إنه يقدم تاريخ العرب على نحو متماسك، وهي مهمة لم تتم في أغلب الأحيان بذلك النجاح. ويمتاز كتاب روغان بقدرته على وضع الظرف الراهن للشعب العربي في سياقه التاريخي (تاريخ العرب وتاريخ المجموعات والمجتمعات التي تفاعلوا معهم). وذلك حيث يضع روغان العرب داخل التراتبية المتغيرة للهيمنة العالمية خلال الفترة التي يعالجها في كتابه. والتي تبدأ من القرن السادس عشر وحتى اللحظة الحالية. وبذلك، فإنه يقدم مقاربة مهمة حول تأثير الهيمنة الخارجية سواء في شكل الاستعمار أو بدائله الحديثة على تطور الهوية العربية.
وقد سمح استعراض التاريخ العربي عبر منشور الأنظمة العالمية المتتالية لروجر بتحديد أربعة عصور أثرت على هوية العرب: العصر العثماني، وعصر الاستعمار الأوروبي، والحرب الباردة، والهيمنة الحالية للعولمة والقوة الأميركية. وقد مكن تصنيف النفوذ، أو الهيمنة الأجنبية في معظم الحالات، الذي يعتمد على العصور، المؤلف من تطوير فرضية مهمة: وهي أن العرب كانوا أقوى عندما كانت هناك أكثر من قوة مهيمنة، على سبيل المثال، عندما كانت بريطانيا في مواجهة فرنسا خلال عصر الاستعمار، وعندما كان السوفيات في مواجهة الأميركيين خلال الحرب الباردة. ففي مثل تلك المراحل، كانت قدرة العرب على التكيف والتطور في أفضل أحوالها.
ومع ذلك، يقر روغان بأنه «مع كل تغير تاريخي، يؤدي إلى سقوط القوة أو القوى المهيمنة وبزوغ نظام عالمي جديد، يعود العالم العربي إلى نقطة البداية حتى يستوعب قواعد النظام الجديد». ومن جهة أخرى، لا يحاول روجر، في وصفه للجهود المتكررة لتعلم قواعد العصر الجديدة، تصوير العرب كضحايا؛ بل يسعى للتأكيد على مرونتهم من خلال رصده لجهودهم الحثيثة للحصول على الاستقلال من القوى الاستعمارية الجديدة والعلاقات الاقتصادية الاستعمارية الجديدة.
وخلال تأسيسه للصلة بين التاريخ العربي وتاريخ العالم، يزعم روغان بوضوح أنه بينما كان العرب هدفا في كثير من الأحيان للقوى العظمى، فإنهم لم يكونوا أبدا مجرد متفرجين سلبيين في تلك الأحداث. فعلى الرغم من أن تاريخ العرب تأثر إلى حد كبير بالنظام العالمي الجديد، فإن العرب في المقابل أثروا على تطور ذلك النظام. ولكي يوضح تلك النقطة، يوضح روغان للقارئ أهمية العالم العربي كقوة متماسكة في التاريخ الحديث. كما أن الصراع من أجل السيادة – في المراحل التاريخية التي غطاها روغان في كتابه – ضروري لفهم الدور الذي لعبته المعضلة العربية في تحديد هوية العرب.
فعلى النقيض من القرن الحادي والعشرين، فإن القرون الخمسة الأولى بعد ظهور الإسلام من القرن السابع وحتى القرن الثاني عشر مثلت عصر «الإمبراطوريات الإسلامية العظمى». ويعتقد روغان أن الذاكرة الجمعية لذلك العصر الإسلامي الذهبي أدت، إلى حد بعيد، إلى بزوغ القومية ومقابلها القومية العربية، وتراجع العلمانية وبزوغ «الأسلمة» في السياسة القومية. وقد تزامن استدعاء عصر الإمبراطوريات الإسلامية الكبرى كفترة في التاريخ طبقت فيه الأمة الإسلام في أنقى أشكاله مع عجز القومية ثم القومية العربية لاحقا على تحقيق السيادة التي كان يطمح إليها الشعب العربي بشدة، وهو ما أدى إلى الارتباط الدائم بين الإسلام والسيادة السياسية في الوعي الجمعي لذلك المجتمع. ويعد ذلك الطرح مهما بالنسبة لمن لديهم اهتمام خاص بفهم الدور الذي يلعبه الدين في السياسة العربية.
والأهم من ذلك هو أنه يستعرض سبب اتصاف النظائر الحديثة للصراعات العربية من أجل الاستقلال – مثل الصراع العربي الإسرائيلي – بالراديكالية الإسلامية أو باستخدامها كسلاح في الحرب. وعلى الرغم من أن التراتبية المتصارعة للنظام العالمي أثرت إلى حد كبير على بنية تحليله، حرص روغان على أن يولي اهتماما بالغا للاتجاهات الأخرى التي كان لها تأثير على العالم العربي؛ التي ربما يكون من أكثرها أهمية البترول والإسلام. ولكن المذهل في عرضه لهذه القضايا هو قدرته على ربطها مع المغزى الكلي لكتابه: قدرة الشعب العربي على توظيف بنية هويتهم في مساعيهم للحصول على السيادة.
وكنتيجة لذلك، خصص الفصل المتعلق بالبترول مساحة كبيرة لمناقشة استقلال ليبيا، والأهم من ذلك الطريقة التي تمكن عبرها القذافي من استخدام وصوله للسلطة في مواجهة ما اعتبره التهديد الأكبر الذي يمثله الغرب بالنسبة للعرب: سيطرتهم على إنتاج البترول وتسويقه. وبالتالي، ففي الوقت الذي يعالج فيه الفصل المخصص للبترول تأميم شركات البترول، فإن تلك القصص تمت روايتها إلى جانب مناقشة ترويج القذافي للغة العربية، وغيرها من الإجراءات القومية التي اعتبرها ضرورية لسيادة ليبيا واستقلالها.
وعلى نحو مماثل، استطاع روغان أن يجمع بين تاريخ كل الدول العربية في فصوله، مقدما عرضا عالميا موسعا لما بدا عليه العالم العربي في لحظة محددة من التاريخ الحديث. وقد سمحت استعانة روغان بالشهادات الشخصية غير المعروفة، بالإضافة إلى البحث المكثف حول وقائع التاريخ العربي الحديث بأن يقدم تصويرا دقيقا لأكثر الوقائع التي شكلت الهوية العربية أهمية.
ومن جهة أخرى، تحتاج بنية الكتاب إلى قدر كبير من انتباه القارئ؛ نظرا لأنه لا يرصد تاريخ كل دولة عربية على حدة. وهو بلا شك قرار استراتيجي مكنه من تعزيز فكرة أن الهوية العربية هي قوة متماسكة تتجاوز الحدود الجغرافية.
وعلى الرغم من الإنجازات الكثيرة للكتاب، فإن كتاب «العرب» مخصص في معظمه لاستكشاف الطبيعة المضطربة للتاريخ العربي. فعلى الرغم من أن تاريخهم كان يهيمن عليه الصراع والسلطة، فإن السؤال هو إذا ما كان ذلك الطرح يكرر فقط فكرة أن الصراعات التي تسود المنطقة في الوقت الراهن هي أمر متوقع. على أية حال، فإن تلك الثغرة لا تقلل من قيمة عمل روغان، خاصة قدرته على معالجة الهوية العربية ككيان واحد من خلال التاريخ كمرجعية.
إن العرب أمة من المكائد والمتناقضات؛ تميزت أحيانا بالثروة في الموارد والثقافة، والصراعات المستمرة والشغف الديني. ومن خلال تسليط الضوء على أكثر الخبرات أهمية في تاريخ الشعب العربي، يقدم كتاب روغان توضيحا للصورة المتناقضة التي يعكسها العرب دائما.
وبالنسبة للغرب على نحو خاص، ولمن يسعون لفهم تاريخ العالم العربي، فإن كتاب روغان يحمل أهمية خاصة في استخلاص الدروس من التاريخ. والأهم من ذلك، تمكن كتاب «العرب» من رصد العوامل المتشابهة لتلك الأمة المركبة والمتنوعة، عارضا الخيط الذي يجمعهم معا خالقا كيانا موحدا.