يذهب البعض إلى النظر إلى العولمة بأنها مفهوم مرادف «للحداثة»، وهذا يضعها في إطار السياق التاريخي لتطور المجتمعات الحديثة ومسارها الحركي الاكتمالي،الذي عبَّر عنه البعض في رؤيته للعولمة «بأنها الظاهرة التاريخية للقرن الواحد والعشرين، مثلما كانت القومية في الاقتصاد والسياسة وفي الثقافة هي الظاهرة لنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين». وبالنظر إلى جملة المفاهيم والتعاريف المتناقضة لظاهرة «العولمة» التي تضج بها الأوساط الفكرية السياسية والثقافية العربية بحسب المجال الذي أتاح التعرض لبعضها نلاحظ جانباً منها يتعاطى بل ويقبل بهذه الظاهرة، ويضع أحداث واقعنا ومعطياته في سياق مترابط مع القوى الأخرى مهما بلغت من الفعل والتأثير، ويحاول تفسيرها، بل ويقترح علينا نهجاً محدداً للتعامل معها والانخراط في منظومتها وفقاً لمتطلبات العصر وتوجهات تقدمه.. بينما الجانب الآخر يرى فيها الخطر القادم على النحو الذي يصوغ الظاهرة «العولمة» في صيغة الاستعمار الكوني الجديد الأحادي القطبية، وبتعبير مرادف ابتلاع الدول الكبرى - الولاياتالمتحدةالأمريكية - للدول الصغيرة وذوبان هذه، بكل خصوصياتها في إطار هذا الكيان الجبروت، الذي يمتلك الذراع الطولي للسيطرة والهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية وقدرتها على العدوان السافر على اقتصاديات الآخر والخصوصيات الثقافية والسياسية للمجتمعات الصغيرة في العالم.. إذاً فالدلالة الحقيقية لهذا المفهوم، أصبحت مرتبطة ارتباطاً عضوياً بمسألة الحفاظ على سيادة الكيانات القومية وصونها من خطر الاكتساح الحضاري والثقافي الذي تسعى إليه قوى الهيمنة؛ بهدف تعميم نموذجها السياسي والاقتصادي ونمطها الحياتي التنموي، الاجتماعي الثقافي، وفي مقابل مثل هذه المعضلات العصرية الخطيرة التي تفرضها الهيمنة العالمية، أحادية القطبية المتمثلة بالولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها في الاتحاد الأوروبي على العالم النامي وخصوصاً البلدان العربية فإن الضرورة الوطنية والقومية تحتم توخي الحذر إزاء ظاهرة العولمة، ولا أحد يسدي بالرأي للتمسك بغير هذا الموقف حتى ولو وصمونا بتهمة التقوقع والتحجر والتشبث بالماضي والتاريخ والهوية فإن الحجة لدينا أقوى والبرهان واضح وجلي.. فكيف لأي مجتمع كان أن يتقبل أو يقبل على نفسه الرضوخ لسياسة الهيمنة والاحتواء تحت مسميات وشعارات الاندماج أو «العولمة»..؟ [email protected]