فالعولمة نفهمها بأنها تبشير بالخير للشعوب والتفاهم والتعاون والتقارب، بينما الهيمنة إذلال وقهر، ولهذا فإن غرس العولمة بهذه الوسيلة في مجتمعات لم تتكون قيمها داخل حاضنتها التاريخية سيؤدي حتماً إلى مقاومة تلك الشعوب دفاعاً عن كياناتها وهويتها وخصوصياتها ومصالحها، الأمر الذي يفرغ العولمة من مفهومها، لتصبح أزمة حادة تفجر الصراعات والحروب في العالم، بدلاً من كونها طوراً حديثاً للتقارب والوئام والسلام العالمي. وإذا ما فرضت سيرورة الأحداث نفسها على هذا النحو، فإن التاريخ هنا يعيد نفسه، ولعلنا نتذكر ما فعلته الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما نجحت عقب الحرب العالمية الثانية في نقل نمطها الليبرالي - محمولاً على الدبابات وفوهات المدفعية إلى ألمانيا واليابان وفرضته بقوتها العسكرية ونفوذ مخابراتها المركزية.. وليس ثمة ما هو أخطر من هذه الوسيلة التي تباعد بين الشعوب، وتحدث شرخاً عميقاً في نسيجها وعلاقاتها, بما يمنع بالتالي التماهي والتماثل في مجالات الحياة المختلفة التي تحتاج إليها الشعوب في العصر الحديث.. إذن فإن المنطق الواقعي، هو منطق استبعاد فرض العولمة بوسيلة الهيمنة والقوة. بيد أن هذا التبرير الفلسفي للمنطق الواقعي لا يعفينا من التسليم والقبول بقوة السلاح الاقتصادي، وقوة تأثيره في الزمن المعاصر، خصوصاً بعد أن أطلقت “يد الاقتصاد الرأسمالي الخفية” بحسب آدم سميث، وأصبحت مراكز المال العالمية وقوى السوق الكبرى سيفاً مسلطاً أشد وأمضى من قوة السلاح التقليدي, ولعله التحدي الحقيقي للحاضر والمستقبل، وما ينبغي علينا نحن العرب ليس التقوقع والتحجر ورفض النماذج المعاصرة أياً كان مصدرها، وإنما البحث الجاد عن رؤى ومضامين وأفكار لاستراتيجية قومية موحدة، تنطلق من أسس ومبادئ التراث العربي العريق وخصوصياته وثقافته والطموحات المعاصرة لشعوبنا, وتمزج بالنماذج الملائمة والتجارب الناجحة للآخرين وحضاراتهم، وبما يشكل استراتيجية تتماهى مع معطيات الواقع المعاصر ومتطلباته، مادمنا نؤمن أن الإرث الإنساني وإنجازاته المعاصرة هو ملك الانسانية باسرها. [email protected]