تحكي لي إحدى صديقاتي حكاية ظريفة وعجيبة ولكنها تعد صورة مصغرة لواقعنا الحالي ، فمن يتأمل في هذه الحكاية الواقعية جدا ، سيعرف كم نحن قساة على بعضنا حتى وإن كنا من أسرة واحدة. تتلخص الحكاية في أن زميلة لي سافرت هي وزوجها وأولادها إلى قريتها لحضور حفل العرس في بيت خالها ، وكما تعرفون فإن القات هو سيد الموقف في مثل هذه المناسبات السعيدة. ووزع القات للحاضرين من أفراد الأسرة بفروعها من قبل الخال الذي يحتفل بزواج ولده. وبعد أن تعاطى الجميع القات ، وبقيت على الأرض الأوراق التالفة منه ، أخذ الأطفال بقايا أوراق القات من الأرض وأعطوها لبقرة الخال ، فكانت تأكل بشراهة ، ففرح الأطفال ، وأخذوا كمية أخرى من أوراق القات المرمية للبقرة. رأى الخال بقرته تأكل قاتا ففقد صوابه ، وصرخ في الأطفال بصوت مرتجف : تريدوا تسمموا بقرتي .. فنظر إليه من في العرس باستغراب وقالت له بنت أخته بقلق ودهشة : يعني تريد تسممنا ، البقرة أهم مننا ؟!. فقال الخال ببرود : القات مبودر وسيؤثر على بقرتي ، فردت عليه بنت أخته وهي طبيبة في مجال الأورام السرطانية بهلع : طيب كنت نبهتنا ، عشان نقرر هل نخزن بهذا القات المبودر أم لا . وأضافت بالقول : لماذا تبودر القات ؟ فرد قائلا : عشان ينضج بسرعة ، فردت عليه الطبيبة بعصبية : لكن يا خالي هذا سبب رئيسي للسرطانات. نظر إليها خالها بدون اكتراث قائلا : كل المزارعين يبودروا القات ، والدولة عارفة ، ولا تعاقب أحداً . فردت عليه الطبيبة بعتاب : يا خالي حرام اللي تعمله في الناس ، خاف الله، رد الخال بالقول : ومش حرام على الدولة اللي ما توفر لنا المواد الأولية من الأسمدة النافعة ، وأدوات الحراثة ومستلزماتها ، ومشاريع المياه ، وتسوق لنا الخضار والفاكهة . وعقبت الطبيبة بالقول : طيب ليش تخاف على البقرة أكثر منا ، فأجاب قائلا : لأن البقرة هي رأسمالي وسندي ، فمنها آخذ الحليب والسمن ، وتساعدني في حرث الأرض ووو. أما أنتم فتأكلون القات المبودر على طول سواء من قاتي أو من قات غيري من المزارعين. اكتفت الطبيبة بهذا الحوار ، ووجدت ما طرحه خالها كلاماً منطقياً ، ولسان حالها يقول : بأن حل مشكلة القات المبودر ، والفاكهة والخضار المبودرة بيد الحكومة وبخاصة الجهات المعنية بوزارة الزراعة والصحة ، جمعيات حماية المستهلك وغيرها. فتجار القات معظمهم من أصحاب النفوذ ، لا يمكن منعهم من بودرة القات وزراعته على حساب زراعة المحاصيل الغذائية المهمة. ولا يجدون من يردعهم. فالتوعية وحدها بمخاطر القات وأضراره لا تكفي ، بل لابد من إيجاد البدائل الملائمة ، ودعم المزارعين وخاصة صغارهم كي يستبدلوا هذه الشجرة اللعينة بأشجار مفيدة. ولعل هذه الحكاية الواقعية أيضا تكشف لنا عن تدهور شديد في القيم ، وتبين إلى أي مدى أصبحت الروح الفردية والأنانية مسيطرة علينا ، فكل منا لا يهمه إلا مصلحته الشخصية ، وشعار الكثير منا مفاده “ أنا وما بعدي الطوفان”. وتنطبق هذه الحكاية أيضا على قضايا وطنية وسياسية واقتصادية واجتماعية أخرى بدرجة أو بأخرى ، ولذا انبه الجميع لخطورة حالنا ، لو استمررنا نلقي باللوم فقط على الحكومة وحدها ، بينما نحن أول من يخالف القوانين ، ولا نهتم إلا بحالنا فقط. [email protected]