عندما خرج بعض المتظاهرين إلى شوارع تعز مذعورين يهتفون ضد المحافظ شوقي أحمد هائل اعتراضاً على قرارات اتخذها تندرج في سياق عمله وضمن صلاحياته, شعر الجميع أن أطرافاً بعينها مازالت ترزح تحت وطأة العدائية والحق في الوصاية على الثورة. مامن شك بأن ثقافة الاستحواذ والإقصاء غالبة على الطباع والرغبة الجامحة في الاحتواء تتملك أطرافاً عدة، اعتقاداً بأنها صاحبة الامتياز في كل مايخص المرحلة. ألم يعلم أولئك أن اليمنيين جميعاً على اختلاف مناطقهم وتعدد أحزابهم ومكوناتهم قد أسهموا في كل لحظة ثورية, لايمكن بأي حال من الأحوال أن تتحول الثورة إلى أداة لقمع الآخرين المختلف معهم, والحيلولة دون حقه في الشراكة، فذلك أمر مسلم به ويعتبر من الثوابت الوطنية التي لايُفرط بها. إن ماقام وسيقوم به محافظ تعز أو أي محافظ في محافظته من تغييرات وإصلاحات مؤسسية هي من صميم صلاحياته ومتطلبات قيادته, لأن أمانة المسئولية تقتضي منه أن يبتعد تماماً عن تأثير أو ضغوط أي من تلك الأطراف المتصارعة في الساحة السياسية أو العسكرية فتح باب الإملاءات والوصاية على القرارات أياً كانت لاتخدم المحافظة وتطلع أبنائها للتغيير الحقيقي والملموس, بل سيكون ذلك في خدمة الفوضى وتقوية وكلاء الحرب والصراع وتجار الأسلحة ليس إلاّ. سؤال المستقبل يدعونا للمكاشفة الصادقة وتبين مكامن العطب والخلل وليس في ذلك نقص أو عيب، بل هو دليل صحة وقوة وثقة بالنفس, خطواتنا وقراراتنا التي تلامس وتؤثر في الحياة اليومية للمواطنين أو تلك التي تدفع بالمجاميع إلى الشوارع ليهتفوا ضد هذا أو ذاك تحتاج للمراجعة لأنها لاتخدم المجتمع اليمني بل تزيد من معاناته وقسوة ظروفه التي لاتسر عدواً. الثورة لابد وأن تُحدث تغييراً في وعي وتفكير وسلوك وقناعات الناس على اختلاف مشاربهم, لأن التعاطي مع متطلبات الواقع يحتاج إلى عقلانية ومسؤولية، لأن عاطفة الكراهية ضد الآخرين لاتسهم إلا في المزيد من الصراع. علينا ألا نعمل على إعاقة مسار التغيير مهما كانت دوافعنا الذاتية أو الحزبية أو المناطقية أو القبلية, خاصة وأن الكثيرين من المتربصين بالمجتمع والثورة معاً ينتظرون لحظات الضعف ومؤشرات الفوضى والانهيار لينقضوا على ماتبقى من ماء الوجه ورمق الحياة. المستقبل يحتاج إلى إجابات واضحة ومكاشفات صادقة مع الله والضمير, لأننا إن تركنا دوافعنا واندفاعاتنا وبغضنا وكراهيتنا للآخر هي التي تتحكم في وعينا وقراراتنا وقناعاتنا فلا أعتقد أن للمستقبل في توجهنا ملامح ومبشرات بأن الآتي أحسن, لأن الكراهية لاتُخلق الحياة بل تصنع الموت.