الدول الكبيرة تصنع نوعاً خاصاً من السلاح للمتاجرة به خارج حدودها للدول الضعيفة والفقيرة التي تقتطع من قوت أبنائها مبالغ باهظة فتنهك اقتصادها وتضعف عملتها وتجوع شعبها وتعطل برامجها التنموية من أجل أن توفر قيمة السلاح فتكون النتيجة أن تتحرك المصانع عندهم وتسير عجلة التنمية ويجد العاطلون عندهم فرص عمل, فتزدهر الحياة ويعم الرخاء وينتعش الاقتصاد فينعكس ذلك على التعليم والصحة والتربية والثقافة والأخلاق والسلوك والرياضة وغيرها, بينما تزداد الدول الفقيرة ضعفاً على ضعف وهواناً على هوان وبؤساً وشقاء!!! فهل توجد ضرورة وطنية أو إنسانية أو دينية للدولة الفقيرة مثل بلادنا أن تكدس أطناناً من الرصاص في مخازن السلاح؟؟ ثم بعد ذلك هل يستحق أي حادث في البلاد أن تبدد من أجله ذلك الكم الهائل من الذخيرة لمجرد الحفاوة بشفاء زعيم أو موته أو مرضه, ألا يعتبرنا العالم سفهاء وهم يروننا نحرق الأرض ونلهب السماء بتبديد أطنان من الذخيرة الحية التي عطلنا من أجل الحصول عليها التعليم والصحة والتنمية في بلادنا؟ أو لسنا بالفعل سفهاء ونحن نسلم شبابنا الصغار آلة القتل والتدمير لكي يحيلوا بها حياتنا إلى جحيم لايطاق بحجة أنهم يدافعون عن الشرعية أو عن هذا أو ذاك وقد كان الأحرى بنا أن نفتح لهم بقيمة هذه الآليات المجنونة, مدارس ومعاهدات وجامعات؟؟ وإذا لم نعتبر أنفسنا سفهاء من هذه الناحية فماذا نعتبر أنفسنا؟ هل نعتبر أنفسنا حكماء؟ هل نعتبر أنفسنا على شيء من العقلانية والاعتدال؟؟ لماذا تتجه ثقافتنا نحو الانتقام من الآخر المخالف أو حتى المسيء, جرياً وراء أمثلة سائرة جاهلية نرددها مع من يرددها من الشعوب العربية والإسلامية كما لو كنا ببغاوات لانحسن إلا التقليد.. يقولون: الذي يرشنا بالماء نرشه بالدم!! ويقولون اتغدى به قبل أن يتعشى بك!! أو كن سبعاً قبل أن تأكلك السباع!!! فيالها من ثقافة دموية , دفعنا ثمنها باهظاً. في الأيام السوداء للمحنة, كانت مدينة تعز تعيش أيام خوف ورعب وقلق, فقد كانت فوهات الرشاشات الثقيلة وكل أنواع السلاح من كل التباب المحيطة بالمدينة, تمطر الأرض والسماء بالذخيرة الحية, دون مراعاة لأي اعتبار وطني أو إنساني أو ديني, لقد شعرنا أننا في نظرهم أقل أهمية من الجرذان, جعلونا نعتقد أن ثقافتهم ميكافيلية لاعلاقة لها بالإسلام وأن قيمة المواطن اليمني تساوي قيمة رصاصة تخترق جسمه حيثما كان مكانه. إن الدول الكبرى التي تصنع السلاح وتعقد من خلاله صفقات وتمارس ضغوطاً على الدول الفقيرة تعلم أن هذا السلاح يشكل كارثة وطنية حقيقية عندما يصبح أداة قمع بيد الحاكم يقمع بها شعبه.. ويشكل أيضاً معضلة تنموية, لأن قيمة السلاح يقتطعه الحاكم من أقوات الناس ومع ذلك فإن الدول الكبرى لاتشعر بالحياء ولا بالحرج وهي لاتكتفي فقط بعرض ماتنتجه مصانعها من أسلحة الدمار لتسوقه للعالم الفقير والمتخلف بل تسعى لممارسة كل أساليب الضغط على حكام تعلم أنهم ضعاف في كل شيء في تعليمهم وفي خبراتهم, لكنهم مع ذلك تسيطر عليهم رغبة شيطانية في أن يصلوا إلى سدة الحكم بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة, فإذا ماوصلوا فإنه يصبح من المستحيل زحزحتهم عن مواقعهم, لذلك فإن الدول المصنعة للسلاح تعلم أنه من أجل حماية الحاكم وليس من أجل حماية الشعب, ومادام الأمر كذلك فإن هذه الدولة تملي على الحاكم كل ماتريده من شروط, فإذا أرادت دولة من هذه الدول إنشاء مرقص على سبيل المثال, فلا بد أن يعطي الأولوية لإنشاء المراقص وليس للبحوث أو ماشابهها. السلاح ياعباد الله هو آلة صماء ليس فيها مايخيف, وإنما الخوف كل الخوف من اليد التي تمسك به, اليمنيون أو العرب بصفة خاصة يطلبون من السلاح في أيديهم مالايطلبه الروسي أو الأمريكي أو الفرنسي من السلاح الموجود في أيديهم فالخطر هو خطر الإنسان الممسك بالسلاح, الإنسان الذي لم يجد أحداً يهتم بتعليمه وتربيته وزرع مبادئ المحبة للوطن والعقيدة في نفسه, فماذا تنتظرون من شاب وجد نفسه يمسك سلاحاً مدمراً يمكن أن يقتل به ألف شخص بدقائق معدودة وقد وجد في قيادته من يعبأه تعبئة خاطئة في أن الناس في معظمهم أشرار لايستحقون الحياة إلا الذين ترضى عنهم قيادته وتزكيهم وتمنحهم رضاها وبركاتها. لقد مرت علينا في تعز أياماً وليالي عصيبة من غير السهل أن ننساها, في إحدى تلك الليالي الحالكة, شديدة القتامة والكآبة, قال لي أحدهم: لابد من توزيع السلاح للناس ليحموا أنفسهم!! قلت وأين هو السلاح؟ قال: موجود.. قلت: ممن يحموا أنفسهم؟ قال: من الغرباء والدخلاء.. قلت: مثل من؟ قال: ليس هناك أشخاص بعينهم. قلت: يعني أن نستخدم السلاح ضد جيراننا وأهلنا وأصدقائنا وأنفسنا ومادام الأمر كذلك لابد أن نحصل مع السلاح على قوائم غير المرغوب في بقائهم على وجه الحياة!! شعر أنني أتهكم.. تجهم وجهه, لكنه استدرك الأمر قائلاً: إنني أمزح يارجل.. قلت له: هذا هو طبعي, فقد أهداني أحد وكلاء شركات الأدوية”قارورة شمبانيا” فرددتها إليه قائلاً في رسالتي له: من قال لك ياسيدي أنني أشرب الخمر؟ فالطبيب إذا شربها يكون من أفسد أهل الأرض, لأنه مؤتمن على أعراض الناس وحياتهم وهو أيضاً يعرف مضار الخمر, وإذا لم يستطع أن يعظ نفسه فكيف ينصح الآخرين؟ فأرسل الرجل الطبيب رسالة اعتذار طويلة مفادها, إنه كان يمزح وإلا فهو يعلم من صفتي كذا وكذا, كان ذلك قبل خمسة وثلاثين عاماً.