لم يدع القرآن أي شك بأن الطاغوت هو الظلمات، وبالمقابل فإن الحرية هي طريق النور. (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، (الله نورُ السموات والأرض)، وبالتالي فإن الحرية هي الغاية من النور. {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. لقد أكرم الله الإنسان من خلال تزويده بثلاث قدرات لا توجد في المخلوقات الأخرى وهي: التفكير والإحساس والتصرف؛ فلا قيمة لملكة التفكير ما لم تكن هناك حرية، وكذلك لا قيمة للأحاسيس النبيلة إذا لم تكن هناك حرية، وبالمثل لا فائدة ترجى من التصرفات المفيدة إذا لم تكن هناك حرية. في ظل الحرية يمكن التمييز بين الخير والشر، أما في ظل الطاغوت فلا فرق بين الخير والشر؛ فالخير مهما كان كبيراً يتحول إلى شر محض. في ظل الحرية يتمتع الإنسان بمرونة في تغير تفكيره وأحاسيسه وتصرفاته، وبالتالي يصححها إذا كانت تؤدي إلى أي شر، أما في ظل الطاغوت فإن الطغاة يحافظون عليه ويجبرون غيرهم على المشاركة فيه فيسود الجمود، في ظل الحرية تتطور الحياة أما في ظل الطاغوت فتموت. وبما أن الحرية نور فإنها تقوم على الصدق والعدل والعلم والمعرفة. وتكون ثمار ذلك كله الإيمان والعمل الصالح، وبما أن الطاغوت ظلمات فإنه يقوم على الكذب والتضليل والجهل والخرافة، وتكون ثمرة ذلك الشك والكفر والعمل السيء. توحيد الله يؤدي حتماً إلى الحرية. فالله (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) وهو الغني الحميد. الله يطعم ولا يطعم والله يجير ولا يجار. والله أمر بالحرية وترك الناس أحراراًَ. إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور. لذلك فقد كان أول خطوة في الخروج من الظلمات (ولاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً). الله لا يحتاج إلى الغير، الآلهة الباطلة تحتاج إلى غيرها. أي إله آخر غير الله يحتاج إلى غيره، أي يحتاج إلى من يعبده. وبما أن الإنسان يحب أن يأخذ ولا يحب أن يعطي، فلا يمكن أن يعطي غيره بدون مقابل إلا إذا أجبر على ذلك. التأهل الباطل ترافق دائماً مع القوة أي مع السياسة. فالمستبد السياسي هو إله وإله الباطل هو مستبد سياسي. الله أرشد عباده إلى الحق والخير. وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)، (كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىَ). أما الطواغيت فإنهم يأمرون بالفحشاء والمنكر. (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون)، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً).(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً). الطواغيت تحرص على الانفراد في التشريع والتوجيه والحكم والسيطرة من دون الناس، أما الله فقد جعل الناس كل الناس متساوين وكلهم خلفاء في الأرض. وبما أن الإنسان بطبيعته لا يمكن أن يكون بدون إله فإنه إما أن يؤمن بالله الحق أو يؤمن بإله غيره باطل. استغل الطواغيت ضعف الناس فاستعبدوهم بدون أي مبرر؛ لأنهم لا يتميزون عنهم في شيء. لقد أثبت التاريخ أن تاليه البشر لبعضهم كانت نتيجته الحتمية هي استغلال الإنسان لأخيه الإنسان بدون وجه حق. ومن أجل الحفاظ على الحرية ويكون الدين كله لله فقد أمر الله عباده الذين آمنوا بأن يقاتلوا في سبيل الله من أجل الحرية. أما الذين كفروا فإنهم يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً. الله لم يفوض أحداً بأن يكون بديلاً عنه في الأرض. والأكثر من ذلك فإنه قد أمر حتى أنبياءه وعباده المؤمنين فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير. لا يمكن أن يتحقق التوازن في الحياة إلا من خلال الإيمان بالحرية والدفاع عنها بكل الوسائل الممكنة. ولا شك أن الإيمان بالحرية عمل فردي، أما الدفاع عنها فعمل اجتماعي. ولذلك فإن الإنسان لا يمكن أن يستقل بنفسه سواء كان فرداً أو مجتمعاً أو أمة أو جميع سكان الأرض وإنما عليه أن يشارك بعمل جماعي من أجل الحفاظ على الحرية. لكن هذا العمل الجماعي لا ينبغي بأية حال من الأحوال أن يصادر الحرية الفردية وإنما يجب أن ينبع منها وأن يعمل على تقويتها كما سنبين ذلك في المقالات القادمة بإذن الله تعالى.