يمكن إجمال مقاصد الصيام في مقصدين هما: مقصد العناية بالروح، ومقصد العناية بالجسد، وتحت هذين المقصدين تندرج عدد من المقاصد الأخرى، ومن المؤسف أن لدينا كمًا هائلاً من الممارسات الإفسادية لهذين المقصدين وما يرتبط بهما، وبسبب ذلك يحرم كثيرون من تحقيق مقاصد الصيام واجتناء ثمرته.. فمقصد العناية بالروح والسمو بها فوق ضرورات الجسد، وشهوات الحس، وتخليصها من أسر العوائق والعلائق المادية، يتم إفساده بوسائل وممارسات كثيرة بدءًا من سوء الخلق وعدم الاحتمال، ومرورًا بمجالس الغيبة والنميمة، وانتهاءً بما تعرضه كثير من وسائل الإعلام والفضائيات من برامج أعدت خصيصًا لهذا الشهر الكريم! ومقصد العناية بالجسد يتم إفساده هو الآخر بالإفراط في الطعام والشراب، وبالممارسات الغذائية الخاطئة، وما أكثرها في هذا الشهر الفضيل!. وقد تحدث حجة الإسلام الإمام الغزالي عن بعض الممارسات الخاطئة المنافية لمقاصد الصيام فكان مما قاله: ((الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه، فالصوم لتقليله، وتارك الاستكثار من الدواء خوفًا من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيهًا، والحرام سم مهلك للدين، والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره، وقصد الصوم تقليله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش)). فقيل هو الذي يفطر على الحرام. وقيل هو الذي يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة. وقيل هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام. [وعلى الصائم] أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلىء جوفه، فما من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مليء من حلال. وكيف يستفاد من الصوم في قهر عدو الله وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته في ضحوة نهاره؟ وربما يزيد عليه في ألوان الطعام حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان، فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر!. ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى، وإذا دفعت المعدة من ضحوة نهار إلى العشاء حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها ثم أطعمت من اللذات وأشبعت زادت لذتها، وتضاعفت قوتها، وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها، فروح الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل، وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم، فأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلاً فلم ينتفع بصومه، بل من الآداب أن لا يكثر النوم بالنهار حتى يحس بالجوع والعطش، ويستشعر ضعف القوى فيصفو عند ذلك قلبه ويستديم في كل ليلة)). إحياء علوم الدين (1/ 456). [email protected]