ثقافة فرد الذراع بالمفهوم الشعبي تعني البلطجة وأخذ ما يريده الفارد ذراعه بالقوة البعيدة عن الحق، وفي مصر يصفون المعتدي على الناس لسبب ولغير سبب ب(فارد دراعه) يعني أنه يمشي وذراعه ممتدة لضرب من يقف في وجه رغباته الخاصة.. وكلما طال أمد التغيير المنشود من الثورات العربية طالت سياسة (فرد الذراع) في الشوارع العربية، وبخاصة أن المسئولين في دول الربيع العربي يحبون اللون الرمادي بقدر حبهم لكراسي السلطة.. سياسة فرد الذراع تتطور بشكل خطير في ظل الانفلات الأمني الذي تشهده البلدان الثائرة، ليس في اليمن فحسب، ففي كل بلاد ثورات الربيع العربي تجد انفلاتاً من نوع خاص، ومع أن ثقافة فرد الذراع منبوذة في الدين الإسلامي والعرف العربي؛ لأنها تلغي العقل وتهدد حياة الإنسان، إلا أنها أصبحت ظاهرة مصاحبة للحرية المفاجئة التي شعر بها الناس بعد انهيار أنظمة الحكم الفردية في دول الربيع العربي، فحين سقطت سطوة العسكر انفجر الكبت وانطلق الناس متأثرين بصدمة التغيير؛ فانقطعت شعرة الفصل بين الحرية والفوضى، وأصبح كل فرد يعبر عن نفسه بطريقته، هذا يبكي القيم، وهذا يبطش، وهذا يجتاز القانون، وهذا ينسحب من الحياة، وهذا يقاوم التغيير، وهذا يفرض نفسه بالقوة، وهذا يتحدى القيم، وهذا يستفز الكبار حتى وإن كانا والديه.. وستظل سياسة فرد الذراع تقلق حياة المواطن العربي حتى يستوعب الناس صدمة الحرية المفاجئة، وحتى يستقر مشروع التغيير المنشود، وحتى يتولى الحكم قادة أقوياء يطبقون مشروع التغيير ويعيدون للشارع استقراره ولا يخافون في الحق لومة لائم... في اليمن سياسة (فرد الذراع) لها طعم خاص؛ لأنها في الغالب ليست من لحم ودم، فأقصر ذراع يفرد يستخدم سكينه، وأطول ذراع يلقي متفجرات؛ وسياسة فرد الذراع هي السلوك الظاهر والمنتصر والمدعوم في الشارع اليمني وفي المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، فكل من لديه القدرة على فرد ذراعه يستطيع أن يحصل على الوظيفة وينال الحقوق الوظيفية، ويستطيع أن يخرس أصحاب الحق وأن يبطش بهم ويسيطر على حقوقهم وينتهك إنسانيتهم ويستطيع أن يزيح من طريقه كل العوائق القانونية بل ويستطيع أن يطيل ذراعه ويمده ليتولى قيادة أية مؤسسة ولو كان بين كفاءته وبينها آلاف الكيلومترات، فليس مهما ما يحمله من مؤهلات؛ إذ يكفي أنه قادر على فرد ذراعه ذات الخصائص اليمنية، وفي اليمن نتائج فرد الذراع ليست شبيهة بها في مصر، فمثلاً : في مصر تكون نتائج فرد الذراع لكمة أو لكمتين تدمي وجه من يقف في وجه فارد ذراعه وتفسح له طريق السيطرة، أما في اليمن فإن فرد الذراع يعني استخدام البندقية وقذائف الهون والشباب المفخخ لفرض السيطرة وتحقيق الأهداف الشخصية. وأمام سياسة فرد الذراع يقف الناس ما بين مستنفَر ومذهول، مستنفَر من قلة حيلة الحكومة أمام فارد ذراعه، ومذهول من نجاح سياسة فرد الذراع في سلب الحقوق وكذلك في استرجاع بعض الحقوق، نعم استرجاع بعض الحقوق، فقد صار كثير من المواطنين يؤمنون بسياسة فرد الذراع من أجل استرجاع حقوقهم !! ...لماذا يظل فارد ذراعه هو المنتصر حتى ولو لم يكن على حق؟!! ولماذا حينما يريد أحدنا استرداد حقه عليه أن يستعين بفارد ذراعه؟!! هل قامت الثورات العربية لتجعل سياسة فرد الذراع شعبية بدلاً من كونها فردية في الأنظمة السابقة؟!! الكثير منا له حقوق عند غيره، والكل يأمل أن تساعد الثورة المواطنين على استرداد حقوقهم بالقانون، لكن الواقع يثبت كل يوم أنه لا يعود أي حق إلا بقوة الذراع مهما كان صغيراً، وكيفما كانت مكانة صاحب الحق، وهذه حقيقة مؤلمة لكثير ممن ينشدون التغيير الإيجابي، ويسعون إلى بناء الدولة المدنية ويتعاطفون مع ثورة الشباب.. ثقافة فرد الذراع لم تقتصر على قهر الضعفاء واغتصاب الحقوق كما كانت في النظام السابق، بل أصبحت هي السائدة حتى في إدارة المؤسسات في هذه الفترة، فهناك صراع قوي على المناصب ومواقع صنع القرار بين فاردي أذرعتهم فقط وليس غيرهم، وحتى المناصب العلمية دخلت ضمن هذا الصراع، وصار القادر على فرد ذراعه هو الذي يكسب، وسلم لي على المعايير والكفاءة في عصر ثقافة فرد الذراع.. الكثير منا يعيش في قلق من مستقبل مجهول إذا استمرت سياسة فرد الذراع في نيل الوظائف وتولي مواقع صنع القرار؛ لأن معنى ذلك أن من سيقود المستقبل هم (الفتوَّات) الذين وصلوا لمواقعهم بفرد الذراع وليس بالمعايير العلمية.. لاشك أن أصحاب المصالح الخاصة فرحون بظاهرة فرد الذراع؛ لأنه خلا لهم الجو، فالقانون في غيبوبة والحكومة (حنيِّنة) على فاردي أذرعتهم وتغار عليهم من لفحات القانون، فجمدت القوانين ووضعت المعايير العلمية في سلة المهملات، وجعلت المواصفات الشخصية مقصورة على طول وسماكة الذراعين، فإذا كنت ترغب في وظيفة محددة حتى وإن لم تكن لها، أو حتى راودتك نفسك لتصبح مديراً لمؤسسة، فقط افرد ذراعك وذراع من يشبهونك واقتحم وستنتصر... [1] - أستاذ المناهج وطرائق التدريس المشارك بكلية التربية –جامعة صنعاء – [email protected]