مع ترنح قرص الشمس عن سماء أولمبياد لندن يعود ممثلو الدول من شتى أنحاء العالم وفي جُعبهم الذهب والفضة والبرونز، وليس كما هو حال البعض ممن عاد بالحسرة والدموع وجيبه خالية من تلك المعادن الثمينة إلاّ من بعض قطع الفحم الأسود. ومن المؤسف أن يعود العرب من هذه البطولة بخفي حنين - كما هو القول المأثور- بل أقول إنه ليس مؤسفاً؛ لأن خيبة الأمل التي عاد بها العرب من هذه الفعالية الأممية ليست بجديدة عليهم؛ إذ إنها نتيجة طبيعية لحال العرب المتدني الذي لا يهتم ببناء الإنسان وتأهيله والأخذ بيده إلى آفاق رحبة ومتطورة، بل من المؤسف أن الأنظمة العربية قد أخذت بيد هذا الإنسان إلى الحضيض وجعلت منه خائر القوى، مسلوب الإرادة، غارقاً في مشكلات الحياة اليومية والمعيشية الصعبة.. وكلها عوامل جعلته خارج دائرة الخلق والإبداع. ولولا بيضة الِقبان الوحيدة التي عاد بها العرب من هذا الأولمبياد وهي مسجلة باسم الجزائر لكان حال العرب مجرد كومة مهملة لا يربطهم بالبشرية التي تعيش حياة القرن الواحد والعشرين أي رابط.. يحدث ذلك للعرب، على الرغم من جلوسهم على ثروات طبيعية تمد العالم بكل أسباب التطور والحداثة والرخاء، فضلاً عن موقعهم الاستراتيجي الذي يقع في نقطة الوصل بين أجزاء العالم.. إلاّ أن كل ذلك وغيرها من الأسباب لم تسعفه - وهو يعيش الانكسارات الداخلية – في تمثيل هذا الموقع الجغرافي والعمق الحضاري تمثيلاً مشرفاً.. وأعني بذلك عودة مشاركيه من أولمبياد لندن بخيبة أمل أسعدت كل شامت بهذه الأمة وأطربت كل متربص بها. إن تلك الخيبة التي ألقت بظلالها الكئيبة على الأمة من محيطها إلى خليجها لا تعكس فقط الأزمة الداخلية التي يعيشها النظام السياسي العربي، بل إنها تعكس واقع العزلة التي نشأت خلال العقود المنصرمة بين هذه الأنظمة وقطاعات المجتمع بمختلف فئاته العمرية، فضلاً عن أزمات أخرى تتمثل في القطيعة القائمة بين هذه الأنظمة وجملة المتغيرات التي شهدها العالم منذ قرون والمتمثلة في مسألة العصرنة والحداثة والتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الشامل وشيوع مناخات الديمقراطية والتعددية والحرية والعدالة والمساواة، حيث يمكن القول: إن العلاقة بين قطبي هذه المعادلة تكاد تنحصر في أنبوب النفط الذي يمد الغرب والشرق بالطاقة والحيوية، أي بمعزل عن عناصر التلاقح العلمي والتكنولوجي الذي تزخر به الحضارة الأوروبية والأمريكية ومجموعة النمور الأسيوية وروسيا، وهي مسؤولية يتحملها الجانب العربي لوحده؛ لمجموعة الاعتبارات التي أصلت لهذه العزلة المسكون بها العالم العربي منذ وقت بعيد.. ومن الطبيعي أن تكون ميادين المنافسة الرياضية في آخر سلم اهتمامات النظام العربي التي شغلته الحروب الداخلية والخلافات المذهبية والطائفية وغيرها من الصراعات على ما عداها من اهتمام بالإنسان العربي وتوجيه الموارد والطاقات في الإطار الذي يحقق لهذا الإنسان كرامته وحضوره الفاعل على المسرح القاري والدولي، خاصة وقد لمسنا ذلك جلياً في الكثير من التجارب المريرة ليس أقلها – على سبيل المثال - عودة رياضيي العرب من أولمبياد لندن وهم ناكسو رؤوسهم يجرون أذيال الهزيمة. وهي انتكاسة ليست محصورة على هذا القطاع، بل تنسحب فيما يجري على ساحة الوطن العربي من تداعيات داخل بنية نظامه السياسي وفي انسداد مشروعه الثقافي وارتداداً في مجموعة قيمه الحضارية التي منحته هويته وخوصيته وفرادة رسالته. هذا الأمر لا يقتصر فقط على تلك الجوانب السلبية، بل يشملها إلى مواقع وأسباب أخرى كالتخلف الاقتصادي والاجتماعي وغياب الحد الأدنى من التعاون المشترك بين قطاعات كل قطر على حدة وبين مختلف الأقطار مجتمعة.. وهي معادلة صعبة ستظل محط سجال مستمر؛ لأنها تلامس مشكلات العالم العربي في أبعادها وتداخلاتها المتقاطعة وإلى أمد غير معروف. ولنا في قطع الفحم الأسود التي عاد بها الرياضيون العرب من أولمبياد لندن بدلاً من إحضارهم لقطع الذهب خير مثال على هذه الحالة الُملتبسة التي تدعونا إلى الأسى والضحك في آن واحد!!