يُصر النادي السياسي الحاكم لليمن منذُ مطلع القِرن الماضي بما في ذلك الفترة من 62م على عدم تَرك السُلطة أو على الأقل تغيير أسلوبه في الحُكم وفي إدارة البلاد، ولعلّ الفترة في مرحلة ما قبل74م كانت إخلالاً للقوانين وخرقاً لقوانين الحياة الطبيعية؛ إذ كان يقود البلاد مناضلون سياسيون في الثلاثينيات من العمر، وفي هذه الفترة شهدت تصريحات عبدالرحمن الإرياني المُعبِّرة عن إيمانه بصِراع الأجيال، وبما يعني تداول السُلطة داخل أجيال الحركة السياسية الواحدة أو بتعبير أدق الثورة الواحدة؛ كون الوصف الأول هو أقرب لمصطلح التعددية الجامع في إطار كُلّي لجُزئيَّات العمل السياسي الناشطة في الساحة كان يُشاطره في هذا الفهم الأستاذ أحمد محمد نعمان الذي علَّق على حركة13 يونيو 1974م بالقول: إن الأولاد بدأوا يتعلَّمون الانقلابات فينا، وكذا القاضي عبدالله الحجري الذي قال –عقب قيام الحركة - بأنه: قد جاء دور الشباب، وقبلهم كان الشيخ محمد علي عثمان كان يدعم الشباب وبالذات إبراهيم الحمدي قبل أن يُصبح الأخير نائباً للقائد العام – أي في أثناء قيادته للمنطقة المركزية - وكان العمري يدعم عبدالرقيب عبدالوهاب قبل أن يختلفا في 1968م، وفي 1972م كان الأستاذ محسن العيني - ابن الثلاثينيات - يرأس الحكومة وإبراهيم الحمدي نائباً له. أمَّا في عدن قادة الجبهة القومية كانوا في الثلاثينيات من العُمر، وكثير من قادة الحزب والدولة بعد ذلك في تشكيل القيادة الشابة يشكل البداية الطبيعية لصراع الأجيال، فأين نحن اليوم من صراع أو حوار الأجيال في وجود المسؤولين المعمَّرين في السلطة الذين يمارسون هذا الصراع عائلياً، وبصرف النظر عن عدم التزام البعض بهذه القوانين، إلاَّ أن الثورة اليمنية كانت قد نجحت في تكريسها، حتى جاء من يحتكر لنفسه كل السلطة، وألغى هذا النوع من التطور الطبيعي، بالإضافة إلى أن روح الإعداد والأستاذية والأبوية نحو الأصغر قد اختفت، حتى إن الشباب لم يعد يستطيع الإشارة إلى مصادر الفضل وإنما مصادر المعاناة والحِقد والحسد التي تواجهه، ونحنُ لا نُشدِد على اعتلاء سَدَّة الحُكم في متوسِّط العُمر، وإنما نُريد أن نصل إلى الحاصل في بلادنا من إلغاء للأجيال، بعد أن بلغ عُمر الثورة خمسين عاماً، وأصبح من ولدوا معها في نفس عُمر من اعتلوا السُلطة في السبعينيات، فالمُشكلة ليست مُتعلِّقة بأفراد أو جماعات وإنما بجيل كامل جرى إلغاءه ومُلاحقته في مصادر أمنه النفسي والاقتصادي وتطلُّعاته المشروعة في المُشاركة وفي البحث عن واقع أفضل للمُجتمع ومستوى إداري أعلى للدولة، وبالتالي فإن معركة السُلطة والنادي السياسي التقليدي هي مع الملايين من أبناء الجيل الذي ولد مع الثورة، وهي حالة من تقابل موازين القوى ستكون حاسمة كما نراهُ اليوم، ونتيجةً لهذا الواقع فإن البلاد تخسر القدر الأساسي من الطاقة السياسية اللازمة للدولة والمجتمع؛ كون متوسط العُمر هو أهم مراحل العطاء في حياة الإنسان، كما أن الحركة السياسية لا تقل عن الدولة خطأً في هذا الأمر. وفي الجانب العملي لا تبدو الطاقة الاستثنائية الناتجة عن الفرز الطبيعي للمجتمع بالمعيار التاريخي لتتالي الأجيال، لا تبدو أحسن حالاً؛ كون الوضع يعكس جنون الاستحواذ الذي أهدر حياة الملايين وجعل البلاد تدور في حلقة مُفرغة جراء الطفرة التي انحرفت نتائجها باتجاه الشريحة الأقل تعليماً والأقل تدريباً سياسياً والأدنى التزاماً وطنياً. وظلَّ جُنوح الطاقات الشابة باتجاه التذمُّر من الأوضاع عاملاً في التغيير حتى نُقطة الانفجار التي تمثلت في11فبراير2011م التي خرج فيها الشباب بمساندة القوى الشعبية للتعبير عن النِقمَة من الأوضاع والمُطالبة بالتغيير، وهذا يأتي على صعيد التناقض الثقافي بين الأجيال وشعور الشباب بالضياع وتعرُّضهم للخديعة من جيل الآباء، وبدون شك فإن قضية الأجيال تدخُل في شروط التطوُّر التي أدَّت حالة الاختلالات في اندفاعاته داخل البلاد إلى انهيار الأوضاع بهذا الشكل الخطير الذي يعكس تحول التطور إلى فقاعة صابون ما تلبُث أن تَختفي عبر المُلامسة لأبسط الأشياء وأبسط احتكاك. فهل يعي النادي المستحوذ على السُلطة في بلادنا خطورة جشعه السياسي الذي خلق المُعاناة للأجيال، ويُهدد بصراع قادم ستكون نتائجه لصالح المُستقبل الذي أصبح يتمنى للماضي خروجاً من المأزق خروجاً مُشرِّفاً.