بعد أحداث سبتمبر مباشرة تسرّبت وثيقة سرية صادرة عن مؤسسة الدفاع الأمريكية عنوانها سيناريو الولاياتالمتحدة، بعد أحداث سبتمبر، ونشرها موقع هولي بال الفلسطيني وموقع إيلاف اللندنية، وفيها ترتيبات عملية لإسقاط كابول وبغداد، ومشت الإجراءات طبق الخطة فيما يخص أفغانستان، واختلفت إجرائياً عما حدث في بغداد، حيث لم يسهم الشمال العراقي في إسقاط بغداد كما فعل الشمال الأفغاني، وفيها أيضاً السيطرة على مياه الصومال، وعملية إنزال عسكري في محافظتي أبين وحضرموت اليمنيتين، كان ذلك في نهاية عام 2001، وفي نفس الوقت نشرت صحيفة هندية تقريراً عن خطة الأمريكان في إسقاط الشرق والانفراد بالسيطرة على الكوكب؛ حيث كتبت الصحيفة الهندية عن ارتفاع وتيرة البنتاجون والسي آي إيه ومراكز البحث المقربة من صنع القرار، حيث أوردت الخطة عن دراسة تفصيلية لخطة الإسكندر المقدوني لفتح الشرق قديماً ومعرفة نقاط الضعف لكي لا يتم تكرار الأخطاء من قبل الإسكندر الأمريكي الجديد. ودشن الخطة جورج بوش الابن بتصنيف مثلث الشر العالمي: العراق - إيران - كوريا الشمالية، ونجح في إسقاط الضلع العراقي، ولن يتم إسقاط فارس إلا بعد السيطرة التامة على الشرق الأوسط، وهذا ما يؤكد راهناً الإصرار على إسقاط سوريا كمقدمة لإسقاط إيران التي سيكون إسقاطها بوابة للولوج الأمريكي الواثق نحو الشرق. الثورتان الشعبيتان الخاطفتان في كل من تونس ومصر جعلت الأمريكان يغيرون سريعاً طواقم استخباراتهم في المنطقة العربية؛ بسبب عدم توقعهم لعاصفة الربيع العربي، لكن غياب القدرة التنظيمية للثورات العربية جعل الأمريكان يدخلون على الخط بشكل قوي، ومثل تدخل الناتو في الشأن الليبي عودة التدخل السافر للغرب في الشئون العربية الداخلية، وتم تطويل المأزق اليمني وجرها نحو التدويل والوصاية طباخة بديل أمريكي سعودي لصالح لضمان المصالح الأمريكية بالذات في جنوب الجزيرة العربية. وظهرت بشاعة الوحش الغربي بمخالبه الخليجية في الشأن السوري حيث ترمي أمريكا بكل أوراقها؛ لأن إسقاط نظام سوريا عتبة ومدماك هام في بنيان الشرق الأوسط الجديد المعزز لزحف الإمبريالية نحو الشرق وتفكيك بقية أضلاع مثلث الشر عبر قلب النظام الإيراني واحتلال منابع نفطه والزحف نحو بلقنة شبه الجزيرة الكورية وتشجيع الإرهاب الإسلامي على ولوج الهضبة الصينية وأسوار روسياالجنوبية. ولكن (ما كل ما يتمنى المرء يدركه)؛ فها هي سوريا راهناً هي النقطة الفاصلة ونقطة الانفجار الكوني الحديث وبداية صناعة (نظام عالمي جديد) وفق معيار تعدد الأقطاب، حيث دخلت روسيا والصين وإيران بأهم أوراقها في المسألة السورية وتغيير قواعد الاشتباك في أهم المواقع الاستراتيجية الحيوية للمصالح المتشابكة شرقاً وغرباً، ولهذا انكمش المتغير الداخلي السوري أمام وتيرة المتغير الخارجي ذي التأثير الأكبر في مجريات الصراع والأحداث. وليس مصادرة على المطلوب القول بأن الشعب السوري بحاجة لحريات وتفكيك القبضة البوليسية للنظام وهيمنة حزب حاكم لا يؤمن بأحقية غيره في الحكم، لكن الإصلاحات التي بدأها الرئيس بشار تأخرت، مما زاد في قيح واحتقان المسألة السورية. لنستعر من الفقه السياسي مصطلح المفسدة الكبرى والمفسدة الصغرى؛ فبقاء نظام بشار «مفسدة صغرى» أهون من اشتعال المنطقة، وقد تتسع خارطة إسرائيل، ويزداد الغرب سيطرة على مياه وجو وبر العرب - لا سمح الله - وتلك «المفسدة الكبرى» التي لا يدركها رافعو علم الانتداب الفرنسي. نأمل من عقلاء سوريا تفويت الفرصة على المستعمر الغربي والصهيوني، والإيقاف الفوري لنزيف الدم السوري، والدخول في حل سياسي سلمي يعيد الجيش إلى ثكناته بالتزامن مع سحب أسلحة ما يسمى بالجيش الحر، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، واعتبار جميع القتلى شهداء، والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة يدخل فيها الرئيس بشار منافساً لمن ترشحه المعارضة، بعد التأكد من توفير فرص نزاهة الانتخابات والاتفاق على قواعد اللعبة التنافسية، وكان الله في عون سوريا.