تأتي الذكرى ال 13 لوفاة الشاعر عبدالله البردوني والذي امتلأ يوم وفاته الشارع اليمني بالحبر والدموع أقصد نصف الشارع هو الذي غص بدموع العين اليسرى، لأن البردوني يعدّ من وجهة نظر اليمنيين “حمران العيون” يسارياً دون أن يدرك أولئك الحمقى أن البردوني أعمى البصر وأنه لايمتلك سوى عين واحدة هي بصيرته النافذة عين اليمن الموحدة عبر التاريخ ، وقد كان البردوني ولايزال الاستثناء الوحيد في بلد تغص بالمتناقضات وقد استحق عن جدارة أن يكون المثقف الكامل وسط المثقفين والسياسيين ، كان رحمه الله المبصر الوحيد في الزمن الأعمى والوطن الأعمى على السواء ، لهذا غنى أوّل ماغنى لعيني أم بلقيس رافضاَ أن يتعامل مع بلده تعامل الذئب مع فريسته فيغمض عيناً ويفتح أخرى لأنه كان يأنف أن تكون بلده بعين واحدة . إن من العار علينا أن نتعامل مع شاعر اليمن و فيلسوفها تعامل الأموات فنكتب على ضريحه “هنا يموت الشاعر البردوني” فالبردوني ذاكرة اليمن قبل أن يكون شاعرها فماذا يبقى من اليمن حين تعيش بلا ذاكرة ، وإذا كان من المهم أن نقرأ الفاتحة على روح الشاعر العظيم فإن من الأهم أن نقرأ وتقرأ الأجيال القادمة دواوينه ومؤلفاته ، ففي هذا يكون الوفاء، فالبردوني لم يمت ولايزال حياَ بيننا كسابق عهده ، فالشاعر الحق روح خالده تهزأ بالموت وحضور دائم يزهر على مر الأيام وتعاقب الأجيال ، وإذا كان الإنسان العادي يموت بمجرد أن يسلم الروح فإن الشاعر يولد عندما يموت ربما كان التحدث مع البردوني أمراً صعباَ للغاية لفارق الثقافة وفارق الوعي ويبدو ان الحديث عنه أكثر صعوبة لهذا سأكتفي بهذه اللمحة تاركاً المجال الحديث لغيري من هواة التعارف أصحاب الأقلام المتخصصة بكتابات المراثي وشهادات الوفاة مع إيماني المطلق أن الشاعر البردوني لم يكن يوماً ما صديقاً لحفار القبور وبائعي أكفان الموتى بل كان صديقاً حميماً للشاعر القائل : الناس صنفان أمواتٌ في حياتهُم وآخرون ببطن الأرض أحياءُ أعود فأقول أن مشكلة الوطن ليست في الأموات، الأحياء بل في الأحياء الأموات لأن الراحل الكبير الأستاذ الشاعر عبدالله البرودني كان له آراء مهمة في الكثير من الجوانب والقضايا الأدبية ومن ذلك ماقاله في كتابه (أشتات) أن كل جديد يحاول أن يبرر وجوده بوسيلتين هدم القديم ثم تجاوز ركامه غير أن الأفكار والآداب مهما كانت أشكالها غير قابلة للإنقراض. هكذا تحدث الأستاذ البردوني وهكذا عرف اليمنيون البردوني صوتاً يعبر عما في نفوسهم كلمات تلخص طموحاتهم ورصاصات لاتطيش في أهدافها لذلك سأختار مقتطفات وقراءات من نبع لا ينضب. أنسى أن أموت تمتصّني أمواج هذا الليل في شرهٍ صموتْ وتُعيد ما بدأت.. وتنوي أن تفوتْ ولاتفوتْ فتُثير أوجاعي وتُرغمُني على وجع السكوتْ وتقول لي: مُتْ أيها الذاوي..فأنسى أن أموتْ * * * * * * لكن في صدري دُجي الموتى وأحزانُ البيوتْ ونشيج أيتام..بلا مأوى..بلاماء وقوتْ وكآبة الغيم الشتائي وارتجاف العنكبوتْ وأسى بلا اسم.. واختناقات بلا اسم أو نعوتْ * * * * * * من ذا هنا؟ غير ازدحام الطين يهمسُ أو يصُوتْ غير الفراغ المنحني.. يذوي.. يُصرُّ على الثبوتْ وتعبُهُ الآحادُ والجُمعُ العوانسُ والسبُوتْ ودمُ الخطى والأعينُ الملآى بأشلاء الكبُوتْ * * * * * * من ذا هنا؟غير الأسامي الصفرتصرخ في خفوتْ غير انهيار الآدمية وارتفاع (البنكنوتْ) وحدي الوكُ صدى الرياح وارتدي عُرْىَ الخبوتْ التاريخ السري للجدار العتيق يُريدُ أن ينهار هذا الجدار كيْ ينتهي، من خيفةِ الانهيارْ يريد لكن ، ينثني فجأةً عن رأيهِ يحسُو حليب الغبارْ يَهِمُ أن يرثي، جداراً هَوى يَراهُ فوراً. صار ألفين دارْ الضباب وشمس هذا الزمان يشتهي الصمت، أن يبوح فينسى ينتوي أن يرقَ، يمتد اقسى ينزوي خلف ركبتيه ، كحُبلى يرعُش الطلقُ بطنَها، وهي نعسى إلا أنا وبلادي ياندى.. ياحنان أم الدوالي: وبرغمي يجيبُ من لا أنادي!! هذه كلها بلادي.. وفيها كل شيءٍ.. إلا أَنا وبلادي!! عيّنة جديدة من الحزن مثلما تَعْصُرُ نهديها السحابةْ تُمطرُ الجُدرانَ صمتاً وكآبةْ يسقطُ الظلُّ على الظلِّ كما ترتمي فوق السآمات الذبابةْ يمضغ السَّقفُ وأحداقُ الكُوى لَغَطَاً مَيتِّاً وأصداءً مصابةْ مِزقاً من ذكريات وهوى وكؤوساً من جِراحات مُذَابَةْ * * * * * * للثواني اليوم أيد وفمٌ مثلما تعدُو على المذعورِ غابةْ وعيونٌ تَغْزلُ الَّلمح كما تغزل الأشباحَ أنقاضُ الخرابةْ [email protected]