زينة الحياة الدنيا، وقرة الأعين، وبهجة الفؤاد، يتنوع حب الآباء والأمهات لهم؛ فمنهم من يحبونهم حباً جماً ويفدونهم بكل ما يملكون، ويتألمون ويحزنون وتنفطر أكبادهم عليهم عندما يصابون بأذى أو مكروه، ويسهرون الليالي والأيام لأجلهم، ويتعبون ويكدون من أجل راحتهم.. وصنف آخر انتزعت منهم روح الأبوة أو الأمومة فعملوا على تعذيبهم وإساءة معاملتهم، وشتان بين صنف وصنف، وشتان بين ثمرة وثمرة. إنهم الأطفال المقصودون بما سبق، وهم المحور الرئيس الذي يدور حوله حديثنا، هذا المحور يفرض علينا قضية اجتماعية وثقافية مهمة في مجتمعنا اليمني بدأت كحصاة ثم أصبحت جبلاً، ألا وهي قضية تعذيب الأطفال، هذه القضية تفرض علينا سؤالاً مفاده: هل تعذيب الأطفال في اليمن أصبح حقيقة أم خيالاً؟ وللإجابة على هذا السؤال بعين الحقيقة نتأمل جيداً هذه الأسئلة ونجيب عليها بأنفسنا: كيف وضع أطفالنا في اليمن؟ كيف نرى سلوكيات أطفالنا؛ هل هي تمشي إلى الأحسن أم إلى الأسوأ؟ ما المستوى التعليمي الذي أثبتناه لأطفالنا؟ هل اللوم يكون على الأطفال أم على الآباء والأمهات؟ هل تعذيب الأطفال شيء إيجابي أم سلبي؟ كم عدد الأطفال الذين يتعرضون للتعذيب والإهانة والعنف والاعتداء؟. إن هذه الأسئلة تقودنا إلى الاعتراف بأن تعذيب الأطفال في مجتمعنا أصبح حقيقة وليس خيالاً؟ لماذا؟ لأن الواقع أثبت هذا المفهوم، ولأن التعامل السائد يؤصل هذه الحقيقة. كيف لا، وأنا رأيت بأم عيني طفلاً لا يتجاوز العشرة الأعوام يبكي أمام إحدى المتنزهات وعلامات الحرق والضرب في يديه ورجليه؛ بسبب عدم إعطائه مالاً ومنع والدته له من الذهاب إلى المتنزه واللعب فيه، مما اضطر إلى الهرب لحاله؛ لأن أباه مغترب حسب قوله. كما رأيت طفلة أخرى تبيع بعض الكيك الذي يعملنه النساء في المنازل وهي تبكي، فلما سألتها قالت: خالتي زوجة أبي ستضربني إن لم أكمل بيع تلك الكيك فقلت: هل قد ضربتك سابقاً؟ قالت: انظر إلى يدي، فنظرت وإذا بها آثار ضرب وخدش.. كما رأيت أباً يضرب ابنه ضرباً مبرحاً؛ بسبب عدم حصول ولده على معدل مرتفع في اختبار الثانوية العامة.. ونترك المجال للقارئ الذي ربما وجد أكثر من ذلك. إن قضية تعذيب الأطفال وإساءة معاملتهم ليست قضية اجتماعية وثقافية فحسب وإنما قضية انتهاك لحقوق الإنسان، وخاصة حقوق الطفل في التربية والتعليم والراحة والحماية وعدم الإهمال.....إلخ. وتتنوع هذه القضية بتنوع مفتعليها؛ فمنهم من يعتدي على الأطفال جسدياً أو جنسياً، ومنهم من يعتدي عليهم عاطفياً ونفسياً؛ فيسبونهم ويشتمونهم ويسخرون منهم ويهينونهم ويكثرون من انتقادهم وتعذيبهم، لعل ذلك يردهم إلى الصواب، وبالعكس ينعكس ذلك بشكل سلبي على سلوكيات الأطفال، ويصابون بالإحباط وبالأمراض النفسية وغيرها. ولا نملك في هذه المقالة إلا أن نؤكد على أهمية دور الأب والأم في حياة الأطفال، وأن التعذيب لهم لا يوصل إلى نتيجة، وأن الآباء أو الأمهات الذين يعرضون أبناءهم لعنف جسدي أو عاطفي أو نفسي لديهم خلل كبير في التربية واستيعابهم للعملية التربوية ولم يصلوا بعد للدرجة الإنسانية في مشاعرهم، فيجب أن يتنبهوا. كما نؤكد على الدور المهم الذي تلعبه وزارة التربية والتعليم ووزارة الإعلام في التثقيف والتوعية بمخاطر تعذيب الأطفال وإهانتهم، ومتى كان المجتمع واعياً كلما أنتج جيلاً صالحاً نظيفاً. كما نؤكد على المنظمات الحقوقية وخاصة ما تعمل على مراعاة حقوق الأطفال أن تكثف من أعمالها وبرامجها التوعوية لحل هذه القضية، التي ربما - لا سمح الله - ستقضي على النشء وتوقع أبناء المجتمع في مآزق لا تحمد عقباها، وفق معياري الأمانة والمسؤولية. وصدق الرسول «صلى الله عليه وسلم» حينما قال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...». [email protected]