ينتصر قرار اعتماد تعز عاصمة ثقافية للمدينة التي ظلت الثقافة مجرد كلمة تتبعها في إطار الخطابات السياسية لدغدغة مشاعر أبناء المحافظة التي همِّشت بفعل مخاوف “جاهلية” سكنت عقل النظام السياسي السابق. حيث أقرت حكومة الوفاق الثلاثاء الماضي مشروع القرار الجمهوري الخاص باعتماد محافظة تعز عاصمة ثقافية لليمن، وينتظر الإقرار استكمال الإجراءات من وزير الثقافة الدكتور عبد الله عوبل ووزير الشئون القانونية الدكتور محمد المخلافي. بهذا الإقرار تدخل الحكومة في إطار تكوين رؤية تتضح ملامحها يوماً بعد يوم للنهوض بالمدينة بإيجاد دور واقعي “غير حالم” منظم لها، فتعز بحسب المذكرة التفسيرية لمشروع القرار المقدم من وزير الثقافة تنفرد بمكانة ثقافية واقتصادية واجتماعية وشعبية، ولها دور جلي في تعزيز أصالة وتقاليد الحياة الشعبية وتعزيز قيم التنوع والاختلاف والانفتاح ، إضافة الى الثراء والتنوع الثقافي والفكري الذي تمتاز به وما تمتلكه من مقومات ثقافية وسياحية. لا أود أن أستدعي منسوب انعدام الثقة المرتفع لدينا مرجحاً أنه قرار مع وقف التنفيذ خاصة مع تتبعي لتوجهات سابقة للحكومة فيما يخص مدينة تعز والعمل على إيجاد بنية تساعد لنصل إلى مشروع اقتصادي ثقافي في المدينة، حيث افتتح مشروع توسعة ميناء المخا في30 مايو الماضي وزير النقل الدكتور واعد باذيب ومحافظ تعز شوقي هائل، كما تم البدء بالعمل على مشروع تحلية مياه تعز المقسم إلى: مشروع التحلية, محطة الكهرباء, والخط الناقل للمياه وإعادة تأهيل مؤسستي المياه والشبكات الداخلية بتعز وإب. تكمن أهمية هذه الخطوة في كونها أقرت بشكل رسمي، ويفترض أن يترتب على هذا القرار خطة مالية وترويجية تدعم تحويل مدينة تعز إلى مدينة تستثمر في الثقافة والصناعات الإبداعية التي يعتمد عليها العالم المتقدم في دعم الاقتصاد. وأورد هنا أرقاماً للدعوة إلى التفاؤل وتوضيح كيف أصحبت الثقافة صناعة وليست مجرد فعاليات لو تم استثمار ذلك بشكل جيد. مثلا يورد كتاب الصناعات الإبداعية لجون هارتلي والصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ضمن سلسلة عالم المعرفة 2007 ما يدلل على ذلك: “إنه في عام 2001 قدر صافي عائدات حقوق النشر الأميركية ب 791.2 بليون دولار أميركي، ويعمل بها حوالي 8 ملايين عامل، ويبلغ إسهامها في الصادرات 88.97 بليون دولار، أي ما يفوق صادرات السيارات والطائرات والصناعات الكيماوية والكمبيوتر”. ويضيف الكتاب: “الحدث الأكثر أهمية كان تحول الصناعات الإبداعية إلى مصدر هائل للثروة، فالقيمة لم تعد تأتي من تصنيع الأشياء، وإنما من المعلومات (نظم تشغيل الحواسيب)، وانتقلت السيادة من شركات مثل جنرال إلكتريك إلى أخرى مثل ميكروسوفت، وتحولت المعلوماتية إلى التفاعلية والتواصلية”. وبحسب الكتاب فإنتاج الثقافة يتضمن: “ الإعلان، العمارة ، التصميم ، برمجية التفاعلية، سينما وتلفزيون، موسيقى، نشر، فنون أداء، ومن أهم مجالاتها: صناعات حقوق النشر: فن تجاري، فنون إبداعية، فيلم وفيديو، موسيقى، نشر، إعلام مسجل، معاملة بيانات، برامج إلكترونية. ويشير الكتاب إلى أن “الصناعات الثقافية: تتحدد في ضوء وظيفة السياسة العامة والتمويل، المتاحف والقاعات، فنون وحرف بصرية، تعليم الفنون، إذاعة وسينما، موسيقى، فنون أداء، أدب، مكتبات. المحتوى الرقمي: يتحدد عبر الجمع بين التكنولوجيا وبؤرة إنتاج الصناعة، فن تجاري، فيلم وفيديو، تصوير فوتوغرافي، ألعاب إلكترونية، إعلام مسجل، تسجيل صوت، تخزين المعلومات واسترجاعها”. إنها الرؤية لهذه المدينة، لتحويلها إلى عاصمة منتجة للثقافة ليس كفعاليات أو “عاصمة للهو” كما قد يتبادر إلى ذهن البعض من المنغلقين، وعلى تعز أن تعض عليها بالنواجذ ولا يكفي التوقف في حدود النشوة عند قراءة الخبر، بل تبني حملة شعبية لكسب الدعم والتعاطف للمشروع وإلزام الحكومة والمساءلة الدائمة حول مستوى التنفيذ.