في وقت عصيب، وعصر تتقاذفه الأمواج ما بين مدٍّ وجزر، حريٌّ بالأمة العربية والإسلامية أن تفهم سيرة أفضل الخلق الخُلقية، ومن الأقدس والأفضل أن تجسّد صفاته الخُلقية في حياتها وتتمثل بها. إن الحديث عن سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الخُلقية حديث ذو شجون ولا تسعه المجلدات، ولكن سنقتصر على ما تسمح به هذه المساحة لنذكر بعض صفاته الإنسانية التي نحن بحاجة ماسة إليها وربما قد تناسيناها في هذا الوقت العصيب. إن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كان نبي رحمة مهداة كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)(الأنبياء:107)، كان إماماً للمرسلين، لُقب بالصادق الأمين، كان مربياً فاضلاً، كان أحسن الناس خُلقاً وأكرمهم وأتقاهم، كان خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته من طيب كلامه وحُسن معاشرة زوجاته بالإكرام والاحترام. وكان من كريم أخلاقه في تعامله مع أهله وزوجه أنه كان يُحسن إليهم ويرأف بهم ويتلطّف إليهم ويتودّد إليهم، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم؛ تودداً وتقرباً وتلطفاً واحتراماً وتقديراً، وكان يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم. كان عادلاً مقيماً لشرع الله تعالى ولو على أقرب الأقربين، وجميعنا يعلم بقصة المرأة المخزومية التي سرقت، ماذا قال لها عليه الصلاة والسلام؟ قال: (والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). كان إذا تكلم تكلم بكلام فَصْلٍ مبين، يعده العاد ليس بسريع لا يُحفظ، ولا بكلام منقطع لا يُدركُه السامع، بل هديه فيه أكمل الهدي، كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. كان شجاعاً عظيماً لطيفاً؛ فلم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، وعندما قيل له ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم: “إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة” كما جاء في صحيح مسلم. وكان صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين، فكان أبعد الناس عن الكبر؛ يجيب دعوة الحر والعبد والغني والفقير ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر. كان يجلِس على الأرض، وعلى الحصير، والبِساط، كان أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة، خيّره الله تعالى بين أن يكون ملكاً نبياً أو يكون عبداً نبياً فاختار أن يكون عبداً نبياً. كان عليه الصلاة والسلام أعبد الناس، ومن كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان عبداً لله شكوراً. وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - أن يمازح العجوز، فقد سألته امرأة عجوز قالت: يا رسول الله! ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أُم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز، فولت تبكي، فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: ((إِنّآ أَنشَأْنَاهُنّ إِنشَآءً* فَجَعَلْنَاهُنّ أَبْكَاراً* عُرُباً أَتْرَاباً)) [الواقعة 35 – 37]. كما جاء عند الترمذي في الشمائل وحسّنه الألباني. وكان جُلُّ ضحكه التبسم، بل كلُّه التبسم، فكان نهايةُ ضحكِه أن تبدوَ نواجِذُه. كان كريماً، ومن كرمه أنه جاءه رجل يطلب البردة التي هي عليه فأعطاه إياها. كان يصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه، وأما إذا كان لله تعالى فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة.. وهذه الشدة مع الكفار والمنتهكين لحدود الله خير رادع لهم، وفيها تحقيق للأمن والأمان، مصداقاً لقوله تعالى:(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) الفتح:29. إن تلك الصفات وغيرها مما لا يتسع المقام لذكرها اشتققناها من سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الخُلقية، ويجب أن نقتدي بها ونعرفها معرفة حقة ونستفيد منها حق الاستفادة بدلاً من أن ندّعي حبه ولم نتبع سيرته ولم نطع أوامره؛ لأنه كما قيل: إن المحب لمن يحب مطيع، ولابد أن نعلم أنه - صلى الله عليه وسلم – كالعود الطيب؛ يزداد عطراً ورائحة زكية مهما زاده الحاقدون إحراقاً. وعليه فإن سيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - الخُلقية أولى بالفهم والاتباع من أجل غفران الذنوب والفوز بالرحمة، والبدء في حياة جديدة يملؤها الخير الوفير والنعيم المقيم؛ مصداقاً لقوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم (31) قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين (32) – آل عمران. وبالله التوفيق. [email protected]