خلال الغزوات المتكررة لتعز الصغرى(تعز+ إب) في القرون الماضية من قبل القبائل الجبلية والتي كان آخرها جيوش الإمام الزيدي يحيى بن حميد الدين تحت قيادة علي الوزير تعرض سكان تعزللإبادة المتواصلة وإحلال الغزاة مكانهم ومازالت آثار هذه الإخلالات ماثلة في الواقع من خلال شيوخ الإقطاع والبيوت السياسية والثقافية التقليدية, وتعرضت أراضي تعز الخصبة للاستيلاء والاستملاك القسري, وتكون عبر القرون الماضية طابور خامس خطير لم تتمكن تعز التخلص منه هو عائق أكبر يقف ضد تطور وإرادة تعز السياسية المستقلة, ويمكن القول بأن أغلبية مشيخة هذه المنطقة هم أعضاء في الطابور الخامس وتجلى ذلك من مواقفهم السياسية في محطات هامة كمؤتمر العماقي سنة 1918م وتسهيل المقاطرة وأحداث أغسطس 1968م وإفشال إقامة حكومة مستقلة في بداية العشرينيات من القرن الماضي(20). وفي القسم الجنوبي من تعز الكبرى لم يتمكن القبليون من تكرار تجربة تعز الصغرى بتصدير وتثبيت طابور خامس وبتكوين شريحة مشيخية تتحكم بالمنطقة ويعاد ذلك إلى المقاومة الشرسة والمتواصلة والتي أدت إلى تجفيف بقايا الاحتلال في منتصف القرن الثامن عشر وإنشاء السلطنات والمشيخات وإلى هيمنة الاحتلال البريطاني لعدن ووضعه السلطنات والمشيخات تحت الحماية العسكرية والسياسية والتي دامت(139) سنة.. وحاول الأئمة في صنعاء إعادة الكرة لإخضاع بعض مناطق الأطراف في الضالع ويافع وحريب إلا أنهم فشلوا فشلاً ذريعاً إلى درجة أن الإمام يحيى حميد الدين الذي كان لديه سيطرة قضائية على منطقة القبائل بموجب اتفاقية دعان 1911م بينه وبين الإدارة التركية رفض استلام المناطق التي استولى عليها القائد التركي والتي امتدت لتصل إلى مشارف خور مكسر واكتفى بإعادة السيطرة على تعز الصغرى بالتواطؤ مع الأتراك والمساعدة المباشرة لطابوره الخامس. والوضع الذي نجم عن حرب تحرير الجنوب هو إقامة دولة مستقلة ضمت منطقة جنوبتعز وشرقها من أبين حتى المهرة الأمر الذي أثار حفيظة عسقبليي صنعاء والذين بدأوا بتصدير أهدافهم تباعاً في محاولة منهم لابتلاع الجنوب في زمن الحرب الباردة بين ماكان يسمى الغرب تحت قيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية والشرق تحت قيادة الاتحاد السوفيتي. وباعتقادي لو كان للعسقبليين طابور خامس في الجنوب لكان الأمر اختلف اختلافاً جذرياً حيث شنت حرباً في سبتمبر 1972م ومني العسقبليون بهزيمة عسكرية وسياسية كادت تعز الصغرى تنضم إلى الدولة الجديدة ونجم عن هذه الحرب فترة جديدة يمكن أن نطلق عليها فترة “تكريس النضال السلمي” من أجل وحدة سياسية بين الكيانين القائمين في عدنوصنعاء غير أن حرب 1979م بين هذين الكيانين كشفت منسوب العدائيات المرتفع وكشفت بأن أجهزة أمن صنعاء حاولت, ونجحت إلى حد كبير, بناء شبكات أمنية داخل الجهاز المدني والأمني والعسكري لجمهورية اليمن الديمقراطية سابقاً وأعتقد أن هذا الطابور الصغير الذي تسلل إلى المتن مستغلاً الصراعات التي أثرت على أداء سلطة الدولة وأداء التنظيم السياسي الموحد ثم الحزب الاشتراكي. ومن أجل توضيح ذلك كانت التدفقات البشرية إلى عدن بصورة خاصة تأتي من تعز الصغرى(تعز+ إب) وعبر منفذي كرش- الراهدة وقعطبة- الضالع أما التدفقات من البيضاء ورداع فكانت قليلة بسبب التركيب القبلي والذي لايسمح بالهجرة المكثفة, وظلت هذه التدفقات ذات طابع اقتصادي باستثناء المناوئين لسلطة الإمام والذين جلبوا كضرورة مجموعة من جواسيس الإمام لملاحقتهم والنيل منهم, واستمر الطابع الاقتصادي للتدفق البشري قائماً وتحت السيطر الانكليزية وخضعت للنظام والقانون وماهو سائد في الواقع.. وبعد إفراغ جنوبتعز من الشركات التجارية والتجار وإغلاق المنافذ وتقنين الدخول والخروج بل وتحريم وتجريم التنقل بين قسمي تعز الكبرى وارتفاع أصوات العمل العسكري في عدن “حرب تحرير الشمال” بتشكيل “المقاومين الثوريين” وبعد ذلك “جيش الشعب” تغلب الطابع السياسي والأمني على التدفقات البشرية إلى الجنوب جنوب تعز الصغرى وشرق تعز الكبرى. والتدفق السياسي كان نتاجاً لعمليات الملاحقات لأعضاء الأحزاب والتنظيمات السياسية التي صمدت في الميدان بعد أحداث أغسطس 68م أما التدفقات الأمنية فكانت تتسرب مستغلة “الشعارات” المرتفعة صوتها ومستغلة العلاقات الاجتماعية والسياسية التي حمتها وقدمت لها الغطاء المناسب, وبهذا الصدد حدثني قائد عسكري مرموق في صنعاء أنه التقى إحدى الشخصيات التي تبوأت منصباً قيادياً في عدن وحدثته هذه الشخصية بأنه كان وبعض الآخرين يتبلغون تعليماتهم من عبدالكريم الإرياني لإحداث الإرباك السياسي داخل السلطة والحزب..