لا جديد في القضية الجنوبية عدا القضية نفسها، وحرب باردة في معظمها تستجر الماضي، وأطراف تدفع إلى الصراع المسلح قد يخرج الوضع عن السيطرة. تختلف القضية الجنوبية عن غيرها من القضايا التي علينا معالجتها؛ إذ هي مفتوحة على كل الاحتمالات غير المضمونة لأسباب منها عدالتها وسلميتها وإحجام الدولة حتى اليوم عن البدء بإجراءات تحجم من تضخمها. اليوم لدينا أصوات وأطراف عديدة تحاول التأثير في القضية؛ الأول طرف مسلح وهو طرف سوف يضر القضية؛ لأنه يمنح طرفاً ثانياً يبدي رأيه المتبني لاستخدام القوة وإن بطريقة مباشرة على تنفيذ ما يصبون إليه. وطرف رسمي لم يقدم أية تطمينات أو حلول، معتمداً على عوامل غير واقعية، ولم يعد الحاضر يستوعبها منها القلة والكثرة والقوة. “نحن اليوم في زمن الشعوب”، وهي مقولة حقيقية لا يجدر بنا نسيانها، ولا أحد منذ اليوم يستطيع إجبار أي طرف خرج بطريقة سلمية للمطالبة بحقوقه على ترك حقه ولو تم قمعه اليوم فلن ينسى ذلك غداً. وتحمل القضية العادلة ضماناتها بداخلها، فيعجز التفكير بالماضي من التاريخ عن حماية المستقبل، ويؤكد ذلك هزيمة “المنتصر” في حرب 94 بالقضية نفسها في 2011. ولن يتوانى القادم عن منحنا هزيمة أخرى إذا ما اتبعنا الطريقة القديمة المنطلقة من عوامل خارجية، القوة والمال والتنظيم، فيما لا يؤخذ الأمر بقوة الطرف بل بقوة القضية. ما حدث حتى الآن في اعتقادي يذكى روح الانفصال التي ليس بالضرورة يريدها أحد إلا مكرها، ولسبب بسيط وهو أن لا شيء عولج وستتفاقم المشكلة. وفي هذه الحالة المعتمدة على تشتيت الحراك وانقسامهم وعدم وجود رؤية والقلة والكثرة ورضا الخارج لن تكون حتى الفيدرالية ضمانة إذا طالما بقيت الأسباب ولم نفوت على بعض الأطراف حرفنا عن مسارنا في الحفاظ على الوحدة المعنوية قبل الجغرافية، فسيتوحد الناس حول قضيتهم وسيوجدون رؤية وستكاثرهم قضية العدالة، عندها لن تجدي حتى الفيدرالية في ذلك. لقد كانت النقاط العشرون دعوة وطنية جادة تجنبنا الدخول في “زمن الشعوب” مسلحين بأسلحة من زمن الاستبداد، كما ستجنبنا تكلفة عدم التغيير والعناد حين تصبح الوقائع على الأرض مهيأة للانفجار. إن بقاء القضية الجنوبية منذ 2007 بجرحها المفتوح دون تطبيب حقيقي، قد لا يسعفنا على تعزيز الروح الوطنية، وهذا يجعلنا نتخذ خطوات سريعة دون استرخاء، فلسنا أمام قضية كالتي في صعدة وتحمل بداخلها ضمانات هزيمتها حيث رفعت منذ اليوم الأول السلاح وتسببت في قتل الكثير من اليمنيين، وإنما تكمن معالجتها الحالية من باب فتح صفحة جديدة وعدم نكء الماضي وتقديم التنازلات من جميع الأطراف لتجاوز مشكلات الماضي. ويعلق شاعرنا العظيم عبدالله البردوني في كتابه “اليمن الجمهوري” على إخضاع الإمام يحيى لقبيلة الزرانيق المعروفة بأشرس قبائل اليمن عامة المتمردة كيف أن القمع أثار الحس التهامي فيما بعد بقوله:”ولأن التمرد غير وطني، والقمع غير وطني، تمخضا عن نتائج هي أبعد عن مصالح الوطن وعن إرادة جموع المواطن اليمني”. وحتى لا تكون مرحلة موبوءة فتنتج مثيلها من النوازع حسب تعبير البردوني أيضاً علينا البدء بمعالجة سريعة تعتمد على العدل لا على القوة.