المواطنة في الإسلام، تضمن لجميع المواطنين حقوقهم المتمثلة بحقوق الإنسان، فهي تحترم الواقع، وتعمل على بنائه واستقراره، وليست مجرد شعارات، أو وسيلة تهديم وتفريق وزرع مشكلات، إنها مفهوم يعتمد أساساً على الحرية والمساواة. حتى مصطلح أهل الذمة ليس لازم الاستعمال في الفكر السياسي الإسلامي، طالما تحقق الاندماج بين المواطنين، وقامت الدولة على أساس المواطنة، أي المساواة حقوقاً وواجبات، كما يقول راشد الغنوشي. ويضيف القرضاوي في استخدام مصطلح أهل الذمة, “إن الأفضل استخدام (مواطنون) بدلاً من أهل الذمة, وإن كان مدلول أهل الذمة إيجابي, فإذا تأذى مواطنونا من غير المسلمين، فلا أجد مانعاً من استخدام كلمة (مواطنة أو مواطن)”. أما وثيقة المدينة التي صاغها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فقد مثلت _ وفقاً لوهبة الزحيلي _ إعلاناً سبَّاقا لمبدأ المواطنة قبل ظهور مفهوم الدولة الإقليمية المعاصرة، حيث صهرت المجتمع المدني في أمة واحدة، على الرغم من التنوع الثقافي والعقدي، والعرقي، ففي أحدى موادها (أن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم)، في إشارة واضحة إلى المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم بسبب الاختلاف في الدين أو النوع أو اللون أو العرق أو الموقع الاجتماعي، ... الخ. ففي الوقت الذي حارب فيه ديننا الإسلامي الحنيف الطبقية والعصبية، مؤكدا أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وأن خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا، إضافة إلى تأكيد الدستور اليمني وكل دساتير الشرق والغرب ومواثيق الأممالمتحدة على المساواة، يأتي إخواننا الحوثيون بخرافة السيد الذي يختلف عن الآخرين سواء في عقله أو جسده أو حتى في فصيلة دمه. إذا كان الحوثيون يدّعون أن الله اصطفاهم عن العالمين كونهم من آل البيت، فهل كان سلمان الفارسي رضى الله من أبناء الحسن أو الحسين رضي الله عنهما حتى يتوجه رسول الله ب (سلمان منّا آل البيت)، أو زيد بن حارثة رضى الله عنه الذي كان رفيقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وزوجه بنت عمته زينب بنت جحش وجَدُّها جَدُّ رسول الله عبد المطلب بن هاشم فالبنوة أو الأبوة عمرها ما كانت سبب في الاصطفاء والتفضيل، فإبراهيم تبرأ من أبيه لما تبين له أنه عدو لله، وكذلك الحال بين نوح عليه السلام وابنه (قال يا نوح أنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح). تكمن المشكلة أن الحوثيين لا يؤمنون بالمساواة، لذا تنطلق تصوراتهم من منطلق الفوارق الطبقية بين الناس، من أجل إضفاء شرعيه وهمية لهم في السيطرة على الناس وحكمهم، وإن كان ذلك بالقوة، أو بالعمالة لإيران، أو بزعزعة استقرار الوطن وتفتيت تربته. بين الزنبيل والقنديل تجسد فكرة الزنبيل والقنديل السلالية والعشائرية والطبقية عند الحوثيين حتى مع المقاتلين في صفوفهم، فالقنديل هو (السيد) أي من آل البيت، والزنبيل هو (القبيلي)، فإذا قُتل الزنبيل لا تؤخذ جثته وليس لها قيمة، أما إذا قُتل القنديل تؤخذ جثته وبأي ثمن، حتى لو تم التضحية بمائة زنبيل. والسؤال: إذا كان أبناء القبائل من صنعاء وعمران والجوف في نظر الحوثيين (زنابيل)، فماذا سيكون المتحوثون الجدد من أبناء تعز ....؟. الحوثيون والديمقراطية يعتبر مفهوم الديمقراطية لدى الحوثيين، من المفاهيم الشيطانية، لأنها لا تستقيم مع منطلقاتهم وتصوراتهم، فهي تعطى الآخرين أحقية الوصول إلى الحكم، الأمر الذي يتعارض جملة وتفصيلا مع خرافاتهم وأوهامهم التاريخية. وبرغم أن قواعد اللعبة قد تغيرت، إلا أن الحوثيين لا زالوا يعيشون أوهام ما قبل 11 فبراير، ولم يدركوا أن مضمون النظام الديمقراطي، الذي خرج من أجله شباب فبراير، هو الاعتراف بقيمة ذاتية للإنسان، يكتسب بمقتضاها جملة من الحقوق الفعلية، تضمن كرامته وحقه في المشاركة الفعالة في إدارة الشؤون العامة، إنه حرية المحكومين في اختيار حكامهم، وحرية الأعضاء في اختيار قادة أحزابهم. [email protected]