لقد ولى زمن الذاكرة الحديدية، ولم تبق سوى الذاكرة الترابية التي لا تقل وهنا عن وهن سطراً يكتبه الإنسان فوق التراب فلا يلبث أن ينمحي ويختفي لمجرد لمسة باليد أو بما نشاء من الوسائل، لذلك فأنا أعتذر للكاتبة القديرة هند الإرياني في أنني لم أعد أتذكر إلا قليلاً من الأفكار التي وردت في مقالها: قفزة أرض أرض وسأكتفي بالإشارة إلى بعض ماورد في مقالها حول القفز من أقطار السماوات إلى الأرض.. وبما أن مسألة القفز هذه لم تعد تهمني إلا من حيث معناها المجازي كأن يأتي نبي ملهم “مثل نبينا صلى الله عليه وسلم” فيقفز بأمة بدوية تعيش في الصحارى القاحلة والهدل المجدبة ليس لها من مجد أو سؤدد أو منعة فيجعل منها خلال فترة وجيزة بحساب الزمن أمة عظيمة تتطلع إلى قيادة الأمم فكان لها ما أرادت فأسست حضارة وأقامت مجداً وأنشأت قوة مادية مدعومة بقوة أخلاقية لم تشهد الدنيا لها مثيلاً حتى يومنا هذا فإذا تخلف قومنا وأهلونا ولم يتبق لهم من القدرة في فن القفز سوى القفز على جملين أو ثلاثة جمال واقفين كما هو حال شبابنا ورجالنا في منطقة تهامة فإن هذا الخيط الرفيع من الحيوية قد يكون كافياً إذا وجد من يعتني به أن يذكر اليمنيين أنهم في حاجة لما هو أهم من قفز الجمال الثلاثة وأهم من القفز في حلبات البرع، فمن يدري لعل هذه الحيوية المتبقية في عروقنا تكفي أن تذكرنا أننا بحاجة إلى قفزات كثيرة في مجال التعليم والصحة والاقتصاد كما فعل مهاتير محمد في ماليزيا ونلسون منديلا في جنوب أفريقيا ومحمد بوس في بنجلادش ولي كوان يو في سنغافورة وقد وجدت أن متابعة قفزة المغامر “فيلكس باومغارتنر” التي شغلت الكاتبة القديرة نفسها في متابعة قفزاته لا يجديها فتيلا، ولا يجدي بلادها التي مازالت تجد في القفز على الجمال الثلاثة أو الاثنين أعجوبة العصر ونادرة الزمان.. شغلت الكاتبة القديرة نفسها بتأثير القفز الحر الكاسر لحاجز الصوت، وعجبت أشد العجب لتفكيري المتخلف الذي جعلني مشغولاً بالوسائل الإسعافية التي غالباً لا نجدها إلا بشق النفس في حال لو أن واحداً من أولئك الشباب قفز ثلاثة جمال فانكسرت ساقه أو انخلع مفصله فلا نجد ما نفعله من أجله فيتحول إلى معاق لا يستطيع أن يقفز فوق كلبه أو قطته، أما عن لباس المرأة: أن تلبس أسود أو ألواناً، فلتلبس المرأة ما تشاء، المهم أن تلبس.. أما القدر ياهند فلا يوجد من يلعنه إلا أن يكون جاهلاً بمعنى القدر أو منحرفاً في معتقداته وإذا كان الأوروبيون يعتبرون حضارة الأغريق والرومان واليونان هي البعد التاريخي لحضارتهم اليوم، فلماذا لا يعتبر العرب والمسلمون حضارتهم تستحق أن تكون نبراساً يستضيئون به أليس ذلك أجدى لهم من قفزاتهم في الطريق الخطأ حيث وحدوا أنفسهم في التيه وصحارى الضياع فكانوا «كالمنبت» لا أرضاً قطع لا ظهراً أبقى؟!