الفكر المستنير هو القادر على فهم الأبعاد الاستراتيجية للدستور، ولذلك لا يجوز ترك التفكير في قضايا الدستور للأهواء الفردية الخاصة والرغبات العبثية أو اللحظات الانفعالية أو الأهواء العاطفية، بل لابد من الحرص المطلق على جذب العقول العلمية التي تؤمن بحقائق المستقبل، وتدرك البعد القومي والاستراتيجي الذي يعزز الوحدة الوطنية ويدفع باتجاه التوحد الأكبر صوب الوحدة العربية الكبرى التي تطمح إليها الجماهير العربية في الرقعة الجغرافية للوطن العربي الكبير. وإذا خلا التفكير الاستراتيجي من كل ذلك فإنه دون شك لن يحقق الإرادة الكلية للشعب بقدر ما يحقق رغبات أنانية وضيقة تهتم بالمصالح الخاصة فقط دون النظر إلى البعد الاستراتيجي القومي المنشود. لقد أشرت في السابق إلى أن قوة الدولة تنطلق من قوة الدستور، وقوة الدستور تنطلق من قوة الإرادة الكلية للشعب، وقوة الإرادة تستمد من الإرادة الإلهية، والله سبحانه وتعالى أمر من فوق سبع سماوات بالاعتصام بحبله والتزام الوحدة؛ لأن في الوحدة القوة والعزة والشموخ. ولذلك سيظل الحديث عن الدستور معبراً عن هذا التوجه الإيماني المطلق الذي يحقق الخير والسلام للإنسانية جمعاء، أما حديث المجاملة والتملق فلن يحقق الخير والسعادة للناس كافة، بل سيجلب المفاسد بكل أشكالها وأنواعها، وسيندم السماعون للنفاق والمنافقون على حد سواء. ومن هنا ينبغي الانطلاق من القاعدة الفقهية: “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”، ومادام الحديث عن الدستور فإن توضيح الحقيقة يصبح فرض عين على الكافة القيام به؛ لأننا نتحدث عن المستقبل القريب والبعيد، ونرسم استراتيجية الوطن للأجيال القادمة. إن من الواجب المقدس على حملة الأفكار المستنيرة أن تدلوا بدلوها في مجال الحديث عن الدستور؛ لأن مستقبل الأجيال أمانة في أعناق الجميع، وأنا على يقين بأن الذين يفكرون في البعد الاستراتيجي للدستور يدركون المعاني والدلالات التي أرمي إليها في الاهتمام بالدستور؛ لأن الوقت قد حان لنا أن نفكر ببعد قومي استراتيجي يعزز خطوات الأمة صوب التوحد الأكبر. ولا يجوز بأية حال من الأحوال العودة إلى الحديث عن المشاريع التقزيمية؛ لأن عالم اليوم لا يحترم إلا القوي الموحد المتماسك شديد الترابط، ولا تنقصنا المقدرات الخاصة بمقومات بناء الدولة المركزية القادرة على فرض وجودها ومكانتها وحماية سيادتها واستقلالها، لتمتلك القدرة من أجل المضي نحو المشروع الحضاري الإنساني الأكبر وهو التوحد العربي بإذن الله.