بداية نود التأكيد هنا على مسألة التحالفات لكون المرحلة تستدعي ذلك وتوجب على كل قوى الخير والحريات والدولة المدنية أن تلتقي وتتحالف لتشكل سياجاً واقياً تجاه المد المتخلف والمشدودإلى الماضي بكل سلبياته. وفي حلقة سابقة نشرت في صحيفة الجمهورية، تحت عنوان نحو تحالف ليبرالي عربي، كانت دعوة شمولية للأمة العربية وخاصة مصر العروبة، تلك التي اندفعت في اتجاه الثورة والتغيير دون أن تكون قد هيأت نفسها كما يجب وكما هو الحال بالنسبة للإخوان المسلمين، ومصر اليوم تعاني من هجمات كانت غير متوقعة تسير بالبلاد في الاتجاه المعاكس للدولة المدنية ومساحة الحريات التي كانت تنعم بها في ظل نظام مبارك الدكتاتوري. فالنظام في مصر اليوم يحاول طي هذه المساحة والسير بالبلاد في اتجاه الماضي بكل أشكاله وصوره، فاليوم في مصر هناك من يطالب بالحزبية وهناك من يناضل جاهداً في العودة بالحياة إلى القرون الغابرة، وهيهات أن يكون لهم ذلك، لأننا نعرف جيداً شعب مصر الحر الذي بذل الغالي والرخيص من أجل أن توجد الحريات العامة وتتحقق مختلف الشروط للدولة المدنية. إن الظروف في بلادنا تتطابق مع نفس الحال في الجانب السياسي المصري، في حقبة نظام مبارك، حيث هادن وتحالف مع الإخوان، وأن لم يكن بشكل مباشر غير أنهم استفادوا كثيراً من وضعه السيء والمحبط لقوى الدولة المدنية والحريات العامة إلا في تلك الحدود، التي هيأت الظروف للإخوان بأن يكونوا معارضة وفي نفس الوقت فقد استفادوا من نظام مبارك المهترئ وبشكل مكنهم من التغلغل في مختلف هياكل المجتمع المدني ومنظماته والمؤسسات المدنية والتعليمية وحتى بلوغهم تلك المنارة المضيئة دائماً أقصد الأزهر الشريف حيث عملوا على تدجين العديد من كلياته وتكوين ميليشياتهم داخل هذا الصرح العظيم. ولم يكن نظام علي عبدالله صالح ببعيد عن مثل هذه الثنائيات وما حققه إخوان اليمن من مكاسب كبيرة مرت بنفس الحال والظروف التي كان عليها حال مصر الشقيقة وتمكنوا من احتلال مواقع متقدمة في حياة الناس المختلفة وأهمها مفصل التعليم، والجيش، وهم بلا جدال قد استفادوا في الجانب العسكري والسلاح إبان حرب 94 التي كان من نتيجتها أن تراجع حال المحافظات الجنوبية وحال مختلف محافظات الجمهورية لتعيد الحال إلى ما كان عليه من شمولية في أيام الجمهورية العربية، وكان إخوان اليمن حليفاً قوياً لنظام صالح الذي حاول فك الارتباط ونقض التحالفات التي كانت مساندة. الأمر الذي هيأ الظروف للقائد الوحدوي الأستاذ جار الله عمر في الدعوة والإلحاح على إنجاح دعوته في عمل تحالفات مع الإصلاح وبعض الأحزاب الأخرى لتقف حائلاً بعض الشيء دون تمرير بعض أجندة نظام صالح وقد تشكل المشترك الذي ضم حزب التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي وحزب الحق والحزب الناصري، وكان لهذا المشترك مواقف رائعة وفائدة حقيقية، وهم من قام بالثورة السلمية ضد نظام صالح حين تهيأت الأسباب لذلك. ولأنا بصدد التحالفات والعمل السياسي، فإن الحال يتطلب النظر بدقة متناهية لحال ثورات الربيع العربي وما أفرزته من قوى ومن تحالفات إخوانية، سلفية، عقائدية ،مذهبية إلى آخر تلك المسميات التي لا تخرج عن النضال السياسي من أجل أن تنفرد بكعكة الحكم مهما لبست من لبوس دينية وعقائدية، فإن في الأخير تريد أن تصل إلى قمة الهرم وقد تحقق لها ذلك في العديد من ثورات الربيع العربي الذي ربما يتحول إلى شتاء قارس إذا لم يوجد فيه نوع من الاختلاف والتنوع. ولأن السياسية هي من يدفع بالأجنحة والشرائح المجتمعية إلى رص الصفوف وللتحالف وفقاً للظروف والحال التي يناضل فصيل من أجل أن يسود النظام السياسي الذي يوجد نفسه فيه، ونحن نعلم أن الحركة الإخوانية أضحت عالمية ولديها من الخبرات والأموال ما يجعلها قادرة على خوض الصراع والمنافسة ليس ذلك فحسب بل وعلى أن نكون في مقدمة الصفوف كما وقع في العديد من بلاد الربيع وخاصة مصر العروبة، فلا يجب تجاه هذا الفعل أن تتقاعس القوى الليبرالية في يمن الحكمة، بل يتحتم عليها أن ترص صفوفها وتتحالف وأن تستشعر مسؤولياتها تجاه الوطن وناسه التواقين إلى التغيير والتحديث والتجديد في مختلف المفاصل الحياتية. لاحظوا أننا أمام مواقف سياسية وأن كل مكون أو فصيل سيدخل هذه اللعبة متسلحاً بإمكانيات وقدرات غير عادية، وللبعض ربما يكون هناك من يعاونه في حل هذا اللغز والوصول إلى المبتغى أو المقصد من خلال قوى إقليمية ولربما دولية أيضاً، فلعبة السياسة لا تكون عادة في الملاعب المحلية، بل لابد أن يكون هناك بعض التدخلات من جانب الدول الاقليمية والدول الراعية وغير الراعية، ولذلك فإنه يتعين على كل مكون أو فصيل سياسي أن ينظر إلى الحال بدقة وبعيون مفتوحة على كل ألوان الطيف. بمعنى أن لا جدال في أن هناك بعض القواسم المشتركة بين العديد من الأحزاب والمكونات وأنها تلتقي حول مائدة الدولة المدنية والحريات العامة والحقوق والمواطنة المتساوية بصرف النظر عن العقيدة أو الدين أو المذهب أو الملة، كما أنها تريد كذلك لهذا البلد أن ينفتح على العالم وعلى مختلف الثقافات الإنسانية، وأن ترافق مسيرته القضاء على كل مختلف أشكال الفساد والمحسوبيات ومراكز القوى الدائمة لكل هذه السلبيات، وأن تتمحور مسيرته حول الأمان والسلم الاجتماعي والتوجه بخطى ثابتة نحو التنمية الحقيقية، المتعلقة بالإنسان الذي أهمل وهمش على مدى عقود من الزمان. والسؤال الذي يجب أن يتردد صداه لدى حزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه من بعث وناصري ومناصرين، وهو نفسه يجب أن يتردد صداه على مسامع المشترك، وهل سيظل مشتركاً كما كان أم أن السياسة لابد أن يكون لها نصيب وأن يلعبها كل مكون داخل المشترك بالشكل الذي يؤهله للفوز بنصيب الأسد من هذه الكعكة. أعتقد أنه على القوى الليبرالية أن تستفيد من الحال الذي آل إليه الربيع في مصر الشقيقة وأن تعمل جاهدة على أن توحد صفوفها وتتحالف مع بعضها حتى توجد شيئاً من التوازن على الأقل إن لم يكن لها نصيب كبير في العملية السياسية . دعونا نسأل المؤتمر الشعبي العام والمتحالفين معه هو ماذا يريدون وأين يقفون من موضوع التهميش الواقع على بعض العناصر المنضوية تحت المؤتمر وهل سيظل الولاء لتلك القيادات التقليدية، أو التاريخية كما يطلق عليها في عهود مضت، تلك القيادات التي تمادت في تهميش العديد من مثقفي المؤتمر والدكاترة والمهتمين بالجانب التنظيمي باعتباره الأساس لأي تنظيم؟؟ والسؤال نفسه سيتكرر للمؤتمر حول الحوار وأين يقف المحاورون فيه من العديد من القضايا المتعلقة بالدولة المدنية والحريات العامة والحقوق المتساوية لمختلف الشرائح المجتمعية ذكوراً وإناثاً، وأين يقف كذلك من مراكز القوى ومن الأمان والسلم الاجتماعي لناس هذا الوطن، وكذلك من التداول السلمي للسلطة، وهل هو مع التحديث والتجديد ومع التغيير بكل أشكاله وصوره في مختلف جوانب الحياة... إذا كان ذلك هو مطلب المؤتمر الشعبي العام فإنه يتعين عليه أن يسعى إلى هذه الأهداف النبيلة وأن يتجنب الوقوع في المطبات التي تعتمل له من قبل القيادات التقليدية، وأن يتجه صوب هذه الأهداف بخطى ثابتة وأن يمد يده ويفتح صدره ويعمل على فتح عدد من الخطوط لمن هم على شاكلته ولكل قوى الخير التي تسعى إلى تحقيق تلك الغايات النبيلة. والسؤال نفسه يجب أن ينسحب على الحزب الاشتراكي وعلى الناصري وحزب البعث وحزب الحق وحزب العدالة والتنمية و مختلف التكوينات النقابية والمهنية و اتحاد الأدباء ومختلف التكوينات والمؤسسات المدنية، ليردد على مسامع كل هذه التكوينات، تلك الأسئلة إياها بقصد تحديد مواقعها ومواقفها من الدولة المدنية والحريات العامة ومختلف الحقوق. وفي تقديري فإن هناك من القواسم المشتركة بين المؤتمر وحلفائه وبعض تكوينات المشترك وأنصاره والعديد من الأحزاب ومكونات المجتمع المدني والغالبية العظمى من ابناء هذا الشعب العظيم وتجاه هذه القواسم فإنه يتعين أن يتنبه الجميع إلى أهمية التحالفات فالسياسة لا ترحم، وهي لعبة يجب أن يؤديها الجميع من قوى الخير والتحديث، لأنها في تقديري ستلعب كذلك من القوى الأخرى وفق أجندتها والتحالفات التي ستجريها مع بعض المكونات الدينية والقبلية لتصل إلى غايتها، وهكذا تكون السياسة وكما قيل أنها تسعى إلى خدمة المصالح الدائمة، وأية مصلحة سوف تسعى قوى الخير إلى تحقيقها حين تعمل على أن تتحالف وتتوحد في ميثاق شرف يكون دليلاً لسعيها إلى تلك الغايات النبيلة. إنها بتقديرنا هي المصلحة العليا التي يجب أن تسعى كل القوى الخيّرة في يمن الحكمة إلى أن يتحقق لأبنائه يمن ينعم بالخير والحريات العامة والأمن والسلم الاجتماعي، إذ أننا متفاعلون مع هذه الدعوة التي نزعم أنها ستلاقي الاهتمام التام، بلى هي وبكل تأكيد ضمن أجندة مختلف القوى وإنما نحن هنا بقصد التذكير، كي لا تتحول البلاد من نظام شمولي جثم على قلبها النابض وعلى مدى عقود من الزمان إلى نظام يأتي على المتبقي من نبض القلوب. والله من وراء القصد. رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=461133500592397&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater