يبدو أن قضية النظام الاداري الجديد لليمن، سيكون لها حضور طاغي في فعاليات مؤتمر الحوار ليس فقط لأهميتها، إنما أيضا لأن التناولات السياسية والاعلامية المكثفة حولها جرى تدشينها منذ وقت مبكر..وأسفرت عن ثلاثة اتجاهات، إثنان منهما على طرفي النقيض، والثالث يحاول التوفيق بينهما. الاتجاه الأول .. ينتصر للفيدرالية كحل جذري لكافة معضلات البلد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأبرز ممثليه الحراك السلمي كونه أول من نادى به كبديل عن الوحدة الاندماجية.. هذا التيار يعمل ضدا على تيار جنوبي آخر يوصف بالانفصالي،، لا يرى أملا بالوحدة أوبإصلاح مسارها سواء بالفيدرالية او بغيرها. الحراك السلمي الجنوبي، استطاع ان يسحب الى بساطه عديد فعاليات سياسية شمال اليمن، وكانت الحركة الحوثية الأكثر تماهيا معه، لعل دافعها تشابه ظروفهما السياسية، ورغبة كليهما الاحتفاظ بما له من منطقة جغرافية، وإدارتها ذاتيا ولا أفضل من الفيدرالية لجعلها حصان طروادة، تحقق بوساطتها مآرب ربما أفضت للانفصال. الحزب الاشتراكي استجاب منذ وقت مبكر لدعوات الفيدرالية، ليس فقط لفشل الوحدة ، بل ايضا خشية فقدان شعبيته في الجنوب فيما لو تأخر عن اللحاق بحركته الاحتجاجية المتصاعدة.. فيما أضحت المطالبات بالفيدرالية اكثر جلاء لتغطي جغرافية سياسية وإسعة في الشمال بعد الزلزال السياسي العام 2011م الذي اصاب المنطقة ووصف لاحقا ب (الربيع العربي).. لتنظم الى الاشتراكي كوكبة من المستقلين والمثقفين النخبويين وعديد احزاب، سيما الصغيرة منها في اللقاء المشترك لتدعم هكذا خيار وإن بصوت خافت حتى الآن. الطريف.. ارتفاع اصوات تنادي بالفيدرالية، داخل المؤتمر الشعبي العام، وكان سابقا يرفض حتى أي توجهات لتطوير اللامركزية الادارية.. على حين لم تعدو الفيدرالية في نظره إلا ان تكون رديفة الانفصال والتمزق.. والغالب ان موقفه الآن مبعثه المناكفات السياسية ليس إلا.. مع عدم إغفال تيارات فيه تدعم الأخذ بالفيدرالية وأخرى تساند اللامركزية الادارية عن قناعة. الاتجاه الثاني الذي يتحكم بمسار النظام الاداري، يتوافر على مروحة سياسية واجتماعية لها ثقلها كذلك.. وحزب الاصلاح بمعية عديد قوى تقليدية أبرز ممثلي هذا الاتجاه، وهي قوى لا تزال تنظر بريبة الى الفيدرالية، لتطرح عوضا عنها تطوير المنظومة الإدارية الحالية وتحقيق لامركزية ادارية فعلية ..وهو الاتجاه الطاغي في هذا الحزب.. بيد انه كالمؤتمر الشعبي يحوي بداخله تيارات اخرى متناقضة، بعضها يدعم خيار الفيدرالية باعتبارها نظام اداري جديد لا سياسي، لا خوف منها على وحدة اليمن وهي بديل واقعي للانفصال.. تمثله في ذلك كوادر تقدمية كثيرا ما ينزوي صوتها في ركن قصي أمام الصوت الطاغي للنخبة التقليدية والعسكرية في هذا الحزب. هناك تيار ثالث أكثر تشددا في الاصلاح لا يرى في الفيدرالية أو اللامركزية الإدارية سوى مقدمات للتشظي، دالته إنهيار الدولة العثمانية حين اتخاذها نمطا إداريا لامركزيا، فيما الشواهد التاريخية تؤشر الى ان المركزية المالية الشديدة لتلك الامبراطورية، ومبالغتها في تحصيل ضرائب وأتاوات من الولايات، لإرسالها الى مركز الامبراطورية في (الاستانة) هو ما أثار نقمة سكان الولايات وعجل بسقوطها ... الاتجاه الثالث، الذي سيفرض رؤيته على مستقبل النظام الاداري ،اتجاه توفيقي يحاول مقاربة النظامين معا، والأخذ بكليهما أو من كليهما، بما يتلاءم مع بيئة اليمن السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومدعاة ذلك ان الدول الاتحادية تختلف أشكال الفيدرالية فيها من دولة لأخرى،تماما كاختلاف أنماط اللامركزية الادارية في الدول التي تستند على هكذا منطومة.. ومن المؤسف ان من يطرح هكذا رؤية لا اليمنيين أنفسهم بل ممثلي منظمات دولية. هذا الاتجاه يرى الأخذ بنظام فيدرالي/ لامركزي معا، كما في الصين وأندونيسيا وماليزيا حيث تتمتع الأقاليم باستقلال اقتصادي، عن طريق نقل مجموعة من القضايا الإدارية إلى السلطات المحلية مثل سياسة الاستثمار وهيكل الضرائب المحلية .. فاللامركزية الاقتصادية ينبغي ان تسبق اللامركزية السياسية (الفيدرالية) ... وهنا يمكن البدء بمدن كعدن والمكلا والحديدة والمخا بمنحها استقلالية اقتصادية كاملة تمكنها من تحقيق مستويات معقولة من النمو . الحال.. أن الاتجاهات الثلاثة السابقة، لا يمكن تصنيفها سياسيا، باعتبار تداخلات وتيارات متعارضة تشهدها التكتلات السياسية فيما بينها وداخل الحزب الواحد.. ينسحب الأمر على شريحة المستقلين الذين تتوزع اتجاهاتهم هنا وهناك .. ما يدلل على ان القضية اكثر تعقيدا مما تبدو، ويجعل من الصعوبة التكهن بمخرجات الحوار حولها.. وحتى أنصار الفيدرالية لا يخفون توجساتهم من أن تصبح طريقا للإنفصال، ليدعوا إلى فيدرالية على اكثر من اقليمين: ثلاثة، اربعة أو خمسة، كي لا ينفصل اليمن فيما لو اقتصر الأمر على إقليمين.. أو يتشظى فيما لو إزدادت عن خمسة .. على حين ان اللامركزية الإدارية بعد مرور اكثر من عشر سنوات عليها، رافقتها كثير اختلالات ولم تعد مقبولة لدى الكثير، فضلا عن ان الواقع السياسي قد تجاوزها، ولن يشفع لها ما واجهته من تحديات، لم تستطع بسببها أن تأخذ مداها... والراجح ان يتم تغليب الاتجاه الثالث واعتماد مزيج منهما، يرضي انصار الفيدرالية واللامركزية معا، في حل توفيقي وفاقي.. ألم يكن تاريخ اليمن المعاصر عصر وفاق ؟!! رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=462558593783221&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater