“ للبشرية مدن يسكنون فيها .. ولنا مدينة تسكن فينا “ ، الشهادة كما الثورة لا تمنح ولا يشارك بها الا الانقياء ، كما هو ايضا الوجود والعيش في هذه المدينة . وانت تكتب عن ذكرى مؤلمة ك 11/11/2011 ، بهذا التاريخ العجيب ، وبتلك الجريمة السوداء وغير الغريبة عن نظام استحل الدم والعرض والحرمات ، لا يجب عليك الا التوسُد بجمال تعز اولاً ، الباكية مرات عديدة في تاريخ وجودها ، واكثر ما يميِّز هذه المدينة انها تبكي حين تفقد احد ابناءها البررة ، ما بالك والمفقود في هذه الذكرى هم انبل وانقى ما انجبت وربت تعز .. كانت الشهيدة عزيزة هي المبتدأ وكل قطرة دم لعزيزة المهاجري استهلمت شهادة الانثى الثائرة من بعدها ..فكانت تفاحة العنتري وزينب العديني وياسمين الاصبحي والطفلة امل والجريحة مريم الكاتب والجريحة الاخرى زينب المخلافي والشهداء والجرحى الآخرون قدَّس الله شهادتهم ، ولأن الثورة اليمنية تميزت بالتشارك الفعلي للرجل والمرأة على حدٍ سواء ، كانت الشهادة ايضا ، فكان هاني الشيباني شهيداً يُزف الى السماء مع شقيقاته اللاتي انجبن الحلم الثوري وعملن على تربيته في مدينة اتصفت بالصمود . خبرتنا المدينة أن الذاهبون الى السماء هم شجنها ، هم فقدها الكبير ، هم حزنها الذي لن يبارحها الا بتحقيق العدالة لدمائهم ، ولن يجف حزنها حتى نرى لها موعداً في البناء والتنمية ، ويا ابناء تعز ، «لكم في كل قطرة دم لشهيد منها ألف حجر أساس مما تعدون». الشهداء ينتمون للمدينة لكنهم اولا للوطن الكبير ، وما احقر من ينسُب الشهداء الى حزب او طائفة جهوية ، ولو علم الشهيد ذلك لرمانا بحجر من سجيل ، حينها ستصيبنا لعنة السماء والناس اجمعين ، فمن كان ولاءه لله ثم للوطن والثورة يكون الشهيد وليُه في الإقتداء والتضحية والفداء من اجل حياة كريمة ارادها ان تتحقق لنا ولأطفالنا ولوطننا اليمني الكبير .. ما اطيب ذكراكم أيها الأحباء ، وليس هناك اصدق من دموع «فتحي الصوتيات» وهو يذرفها امام قبر الشهيدات الثلاث ، كنت لا اعرف فتحي حينها لكنني حين اقتربت منه عرفتُ انه يبكي العدالة ، لكن فتحي ورفاقه الاوفياء كان يعوا جيداً ان العدالة هي ما قررته تفاحة قبل استشهادها . في شهر فبراير الماضي ، زرت منزل الشهيد هاني الشيباني ، كانت ام هاني حزينة كمدينتها ، لم تعد قوة وشموخ وفاء الشيباني بنتها يكفيان لملمة جراح الأم المكلومة ، تأثرتُ كثيراً وافراد عائلة هاني يقدمون له سيرة عطرة عن شاب استلهم الحياة والعمل ، اتكأت على عاتقه اسرته الكريمة ، كان الدمع يلمع في خدود الحاضرين ، لكنني تقويتُ حين تذكرت قوة وفاء التي كانت بجانبي ، تذكرتُ ما الذي فعلته هذه الشابة الثائرة .. حين كتبت بدم هاني على جدار صالة منزلها “ إرحل يا “ وفاء التي انشأت منظمة “ خلود “ لتنتصر وترعى اسر الشهداء من خلالها ، تعتبر درساً في الوفاء والقوة والتضحية ، ليت القادة يتعلمون منها ، وقبلهم الثوار الذين يبارحون وهج الثورة ويلجأؤون الى الصراعات المقيتة على حساب الدم والهدف الثوري . تعز تفتقد للشهيدة الحافظة زينب العُديني ، وتفتقد لعروس الجنة ياسمين الاصبحي ، تحمل اشتياقاً لأم الثورة والثوار وساحة الحرية تفاحة العنتري .. لكن شموخ تعز باقياً ببقاء كبرياء مريم الكاتب وزينب المخلافي وجرحى الثورة وشهداءها الذين يسكنون قلبها العميق وروحها المثابرة في تحقيق السُعد لهذا الوطن الأم . لبيك يا مدينة الصمود ، الفتية الذين استبسلوا في مواجهة ذلك الصلف الاسود لنظام صالح قادرين على مواجهة صلف “ اعدقاء الثورة “ وما اكثرهم ، ومنهم من يعتقد انه الأكفأ لرعاية الثورة وتحقيق اهدافها دون ان يعلم ان رجمة الشهداء قد اصابته من حيث لا يعلم .. ولا يحتسب . لتبقى هذه الذكرى ميلاد عدالة ، كما انها ميلاد الوفاء لشهداء ارادوا الحلم فنالوا الجنة ، ارادوا السُعد للأرض فحصدوا الارتياح عند بارئهم .. يخال لي ان كل شهيد وشهيدة منهم يحدقون الينا بنظرة المشفق والغير راضي علينا و من سلوكنا الثوري بعد رحيلهم . الاتكال على الساسة في تحقيق الاهداف لا يسمن ولا يغني من جوع البناء ، اذ ان الثورة التي لا تحقق اهدافها بسواعد ابناءها وقراراتهم لا يحترمها الساسة انفسهم ، السياسة “ بلا ادب “ ولو كان الشهداء يأملون منها خيراً لما واجهوا كل ذلك الصلف الاجرامي لقوات وبشمرجة النظام السابق ، الذي مايزال يمارس استفزازه كما يشاء ، لا يمنعه شيء من ذلك طالما والقادة السياسيين قد خلقوا له الأمان المفقود . العشم وحده في تعزالمدينة والإنسان أيها السادة ، لا يجب ان تكون تعز ساحة للخوار والتهاون ، ولا يجب ان تتحول ساحة الحرية التي جهزت الشهداء للجنة الا مكان لائق لصناعة الاهداف الثورية والبناء للمدينة والوطن بدلاً عن توزيع الخطابات السوداء والوعود التي تُنسى في وقتها.