الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر1967م.. كان تعبيراً واضحاً عن انتصار الشعب اليمني في نضاله ضد المستعمر الذي اغتصب أرضه بالقوة لأكثر من (129) عاماً.. والاستقلال الوطني يعني استعادة الحرية والإرادة الوطنية وكان الاستقلال خلاصة نضال طويل قدم خلاله الشعب مئات الآلاف من الشهداء. إلا أن السياسيين اختلفوا فيما بينهم...كيف يمكن استعادة حريتهم وتحرير أراضيهم من المغتصب، فالبعض أعتقد أن الاستعمار لا يمكن طرده إلا بالنضال السلمي والتفاوض والتعاطي مع المشاريع الاستعمارية، وعلى وجه الخصوص فكرة الانتخابات التشريعية والاتحاد الفيدرالي والاستقلال الذاتي وغيرها من المشاريع التي تبناها وقتها حزب الشعب الاشتراكي الذي أنفضت من حوله الحركة العمالية التي التفت حوله في البداية.. بينما اعتبرت بعض القوى بأن الاستعمار الذي أغتصب بلادنا بالقوة لا يمكن أن يتركها إلا بالقوة، وقد مثل هذا الاتجاه على وجه الخصوص حركة القوميين العرب التي اعتمدت خطاب وطني تحرري وطالبت بميثاقها الوطني بتشكيل جبهة قومية لقيادة الكفاح الوطني ضد الاستعمار، وبالفعل تشكلت هذه الجبهة وقادت نضالاً تحررياً مسلحاً ولأربعة أعوام تمكنت الجبهة القومية خلال هذه الفترة من طرد الاستعمار البريطاني واستعادة السيادة الوطنية على الأرض وكذا توحيد الجنوب الذي كان ممزقاً بين 24 سلطنة ومشيخة وإمارة من أيدي حكام العشائر والاستعمار وتوحيدها في إطار دولة وطنية ديمقراطية شكلت قاعدة انطلاق لحركات التحرر العربية والعالمية ولهذا ناصبتها البلدان الواقعة في فلك المعسكر الغربي الاستعماري العداء. وكرست الكثير من إمكانيتها لإسقاط هذه الدولة.. وقد قال حينها أحد المؤرخين الإنكليز إن اليمن الجنوبي قاد ثورة شعبية عظيمة في مواجهة الاستعمار وتمكن من انتزاع استقلاله عن طريق القوة مجبراً الاستعمار على الرحيل وفرضت الجبهة القومية خطاً ثورياً تحررياً لم يتمكن الاستعمار من التأثير عليها.. واعتبر أن ثورة 14أكتوبر هي الأكثر أهمية في العالم بعد ثورة الجزائر على مستوى العالم العربي ،وكوبا على المستوى العالمي.. وتعرضت الثورة في الجنوب آنذاك إلى مؤامرات متعددة استهدفت الإطاحة بها بدءاً بتشكيل جبهة التحرير التي تشكلت امتداداً لحزب الشعب الاشتراكي الذي قاوم بشدة فكون الكفاح المسلح في البداية وشن حملة إعلامية ظالمة ضد الجبهة القومية والقوى التحررية المتعاطفة معها. وفي محاولة انقلابية ضد الثورة فرضت الاستخبارات المصرية والقوى الإقليمية الداعمة لها الدمج القسري الذي تم بين الجبهتين القومية والتحرير إثر البيان الانقلابي الذي وقعه علي السلامي عضو المجلس التنفيذي للجبهة القومية مع بعض العناصر القيادية في جبهة التحرير وذلك في 13يناير 1966م إلا أن هذا القرار استفز حفيظة فدائيي ومناضلي الجبهة القومية الذين نظموا انقلاباً مضاداً عبر قادة الفصائل الفدائية في عدن يوم 14أكتوبر من ذات العام للإطاحة بهذا المشروع ولم يكن هذا الصراع الدموي المسلح بعيداً عن الحركة العمالية التي لعبت دوراً أساسياً في قيادة النضال الوطني صوب التحرر والاستقلال الكامل من نير الاستعمار وأدى هذا القتال بين الجبهتين إلى استشهاد اثنين من ابرز القادة النقابيين هما حسين علي القاضي رئيس المؤتمر العمالي اللصيق بحزب الشعب وجبهة التحرير وعبدالله السلفي اللصيق باتحاد الشعب الديمقراطي والجبهة القومية. والانتصارات المتواصلة للجبهة القومية واتساع نفوذها جعل جبهة التحرير تأخذ مواقفاً من فدائيي الجبهة القومية أو من جميع من يتعاطى معها...وفي حالة هستيرية قامت بإحراق مطابع ومكاتب صحيفة “الأمل” الصادرة باسم الاتحاد الشعبي الديمقراطي لنشرها بيان انسحاب الجبهة القومية من جبهة التحرير. إلا أن الأحداث تسارعت واندلعت الجولة الأولى من الاقتتال الأهلي في شهر يوليو1967م بعد أيام قليلة من سيطرت الجبهة القومية على مدينة كريتر التي كانت تمثل بعداً استراتيجياً في الاستراتيجية الاستعمارية وكانت سيطرة الجبهة القومية على كريتر والاحتفاظ بها أكثر من 15 يوماً انتصاراً بامتياز على الاستعمار والقوى المرتبطة به والمعبرة عن مشاريعه وعلى إثر ذلك باشرت جبهة التحرير باغتيال الكوادر التي كانت تشكل المفاصل الأساسية في الجبهة القومية أمثال عبدالنبي مدرم، وتعرض الكثير منهم لمحاولات تصفية جسدية ومنهم المناصل سلطان أحمد عمر رئيس اللجنة التنفيذية بالجبهة القومية ،الذي كلفه بمقابلة الأصنج وبعض قيادات جبهة التحرير. وهكذا عززت الجبهة القومية أقدامها على أرض الجنوب سابقاً، وكبدت الاستعمار خسائر كبيرة الأمر الذي أجبر الاستعمار على الاعتراف بالجبهة القومية كممثل شرعي ووحيد لشعب الجنوب آنذاك، وأعلن الاستقلال الوطني في 30نوفمبر 1967م...وفي ذات اليوم أصدرت القيادة العامة للتنظيم السياسي والجبهة القومية بياناً أعلنت فيه ولادة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.. جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فيما بعد. وقد حدد البيان شكل السلطة وآليات عملها في ظل غياب المؤسسات الدستورية المعنية بالأمر، واعتبر البيان أن الجبهة القومية هي السلطة العليا في البلاد، وهي قائدة الثورة، إلى حين وضع الدستور المؤقت للبلاد. وقضى البيان بأن تكون القيادة العامة للجبهة القومية هي السلطة التشريعية وهو اجراء سليم في ظل غياب الدولة، والمؤسسات الوطنية المعنية بإدارة البلاد...وفعلاً تمكنت الجبهة القومية من قيادة دفة النظام تشق طريقها وحيدة بين مخاطر داخلية وخارجية وتحديات بإسقاط نظامها. وهكذا أصبحت الجبهة القومية هي التنظيم السياسي الوحيد في البلاد.. وحدد البيان نظام الحكم جمهورياً رئاسياً. واتخذت القيادات العليا للجبهة القومية قراراً بتعيين قحطان الشعبي رئيساً مؤقتاً لمدة سنتين: والذي بدوره شكل حكومته الأولى على النحو التالي: قحطان الشعبي ..رئيساً للجمهورية .رئيساً لمجلس الوزراء قائداً عاماً للقوات المسلحة. سيف أحمد الضالعي ..وزيراً للشئون الخارجية. علي سالم البيض ..وزيراً للدفاع محمد علي هيثم ..وزيراً للشئون الداخلية وزيراً للصحة بالوكالة. محمود عبدالله عشيش ..وزيراً للمالية. عبدالفتاح اسماعيل ..وزيراً للثقافة والإرشاد القومي وشئون الوحدة اليمنية. فيصل عبداللطيف الشعبي ..وزيراً للاقتصاد والتجارة والتخطيط. عادل محفوظ خليفة...وزيراً للعدل والأوقاف. فيصل شملان ..وزيراً للأشغال العامة والمواصلات. عبدالملك اسماعيل ..وزيراً للعمل والضمان الاجتماعي. محمد عبدالقادر بافقيه ..وزيراً للتعليم سيد عمر أكبر.. وزيراً لشئون الإدارة المحلية والزراعة. رابط المقال على الفيس بوك