الحديث عن مرور 45عاماً على استقلال جنوب الوطن حديث مملوء بالذكريات النضالية والحراك الدارماتيكي الذي يحكي لنا مآثر ومفاخر وبطولات اليمانيين الذين سطروا بدمائهم الطاهرة الزكية أسمى وأروع لوحات الفداء والتضحية من اجل تحرير ارضهم من المحتل البريطاني الغاصب.. فالبريطانيون عندما احتلوا عدن عام 1839م كانوا يسعون من وراء ذلك الى توسيع نفوذ اطماعهم السياسية والاقتصادية والعسكرية والتجارية تحت مسمى امبراطوريتهم التي لاتغيب عنها الشمس، ولذلك لجأ الاستعمار البريطاني عند احتلاله جنوب الوطن الى سياسة «فرق تسد» فقام بتقسيم جنوب الوطن الى ثلاث وعشرين مشيخة وسلطنة تحت إشراف ورعاية حكومة الاستعمار في عدن.. وفي ظل الممارسات القمعية التي كانت تنتهجها سياسة حكومة الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن خاصة مع الطبقات المسحوقة صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة ضد البرجوازية المحلية والخارجية وضد الكهنوت واللاهوت والجبروت، وضد الرأسمالية المستبدة والاستقراطية المتعالية وكما نعلم ان معظم نشاط السكان آنذاك كان يرتكز على الصيد والتجارة والزراعة وطبقة الموظفين.. لذا تم تكوين«رابطة الجنوب العربي» الى جانب انضمام تنظيمات متفرقة من التجار والعمال والمزارعين والموظفين، وبدأت هذه الرابطة تتفاعل حركياً ونضالياً داخل صفوف الجماهير رافعة شعاراتها المناهضة ضد الاحتلال البريطاني ومطالبة باستقلال الجنوب اليمني.. ومما زادها زخماً وثورية ونضالاً قيام ثورة 23يوليو 1952م تلك الثورة العربية التي لعبت دوراً دراماتيكياً فاعلاً في تحرير المنطقة العربية من فلول بقايا الانظمة الفاسدة والاستعمار اياً كان نوعه وجنسه واصله.. فالزعيم جمال عبد الناصر لعب دوراً تاريخياً ونضالياً وحضارياً عظيماً في دعم الانتفاضات والثورات العربية في المنطقة ضد الوجود الاجنبي المحتل.. ومن هنا تأججت حركات المقاومة الشعبية في جنوب الوطن، وبدأت النخب الثورية المثقفة تطالب بإجراء انتخابات عامة وحرة ونزيهة، وبتشكيل حكومة وطنية من ابناء جنوب الوطن لمواجهة وتصدي المشروع التقسيمي البريطاني الذي يقسم جنوب الوطن الى محميات وسلطنات تحت سيطرة النفوذ المركزي البريطاني المحتل الذي تم إعلانه عام 1959م.. لذلك انطلق رجال الفكر والسياسة والدبلوماسية في جنوب الوطن الى ارض الكنانة الباسلة في حوار صريح وواضح مع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في رفضهم المطلق للمشروع الاستعماري الذي يمزق وحدة الوطن.. فأعلنت المقاومة الشعبية الثورية الإضراب العام عن العمل في كل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، فقامت بريطانيا -تحدياً- بضم مستعمرة عدن الى اتحاد الجنوب العربي عام 1962م.. فاعلن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في احد خطاباته الثورية قائلاً: «آن الوقت على بريطانيا ان تجلو عن عدن وإننا في مصر لن نسمح للاستعمار بأن يبقى في اي جزء من اجزاء الوطن العربي».. ومن هنا بدأت مرحلة التطبيق العملي بمد الثوار والمناضلين بالسلاح والعتاد الحربي لمواجهة الموقف الاستعماري ضد سياسة المحتل البريطاني.. ولعبت مصر دوراً دراماتيكياً ولوجستياً، فأنشأت معسكرات التدريب، واستقبال المتطوعين، وتدريبهم على حرب العصابات والشوارع، وأثرت المقاومة تأثيراً فاعلاً في رفع الروح المعنوية بين الجماهير، وفي اكتوبر 1963م طرح القوميون العرب شعار الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل بديلاً لجبهة التحرير، لتقود الحركة المسلحة ضد المحتل البريطاني الغاصب.. وأدرك ثوار الجنوب بأنه لم يعد امامهم من خيار الا الكفاح المسلح لمواجهة غطرسة المحتل البريطاني.. وجاء الفرج العظيم بقيام ثورة 26سبتمبر، والتي هيأت الأجواء لقيام ثورة 14 اكتوبر، وشكلت عمقاً استراتيجياً وعسكرياً، وسنداً مصيرياً مشتركاً لدعم المقاومة الشعبية المسلحة ضد الاستعمار البريطاني. لذلك دفع ابناء جنوب الوطن ومعهم اخوانهم في الشمال ثمناً باهظاً من اجل تحرير الوطن من الاستعمار الغاشم، والكهنوت المستبد. وهكذا التاريخ يعيد احداثه رغم اختلاف الزمان والاحداث.. ولكن لا يفوتنا ان نذكر بواجب الالتزام الادبي والاخلاقي في تدوين تاريخ الثورات، ولا ننسى ادوار المناضلين والثوار والاحرار الميامين الذين قدموا اغلى واثمن ما يملكون من اجل تحرير الوطن ارضاً وانساناً وانتماءً.. فلابد من رعايتهم احياءً وامواتاً.. ستظل مآثرهم الخالدة وبطولاتهم الرائعة وبصماتهم محفورة في ذاكرة الشعوب مهما تقادم الزمن!!.. رابط المقال على الفيس بوك