“كلنا اخوان” عبارة نطق بها أحد المصريين البسطاء في إحدى القنوات الفضائية كتعبير عن رأيه حول الجدل الدائر في مصر حول قرارات الرئيس المصري المنتخب, في نفس القناة كان أحد اليساريين المثقفين يجيب على سؤال: لماذا أنت ضد مرسي بقوله: لأنه إخوان, بينما كان مثقف إسلامي يهتف لمرسي كونه اخوان, ولو كان الرئيس الحالي لمصر يسارياً لقال ذلك المواطن البسيط “كلنا يسار”, وبين عقدة المثقف (الإسلامي واليساري) من جهة وبساطة المواطن العادي من جهة أخرى مفارقة قيمية عميقة تكشف كيف أن الثورات العربية الأخيرة غيرت وعي المواطنين العاديين نحو التفكير بحس المواطنة الملتزم باحترام المسار الديمقراطي, بينما فشلت هذه الثورات في تغيير نفسية النخبوي الذي تحركه عصبويته الأيديولوجية لا عقله المثقف. فرح أنا بهذا الحراك الديمقراطي الذي تشهده مصر الثورة، حيث هناك ولأول مرة في تاريخ مصر رئيس منتخب يصدر قراراته الرئاسية (بغض النظرعن صوابيتها أم لا) مع وجود معارضة تقول:لا (بغض النظر عن صوابية موقفها أم لا) بدون أن يفكرهذا الرئيس أن يمارس أدوات النظام السابق من قمع وسجون وو....الخ, أدرك أن مصر ستنطلق نحو مستقبل أكثر إشراقاً من ذي قبل, لكنني حزين لمستوى الخطاب النخبوي الذي ساد وما يزال هذا الحراك الديمقرطي, فبعض الشعارات والهتافات التي كانت تصدح في ميدان التحرير بل وتصريحات كثير ممن يقدمون أنفسهم دعاة المدنية تعبر عن سلوك لا علاقة له بالمدنية وأخواتها (محاولة استقواء بالخارج, دعوات لتدخل الجيش, الفرح بتسييس القضاء) وبالمقابل بعض الشعارات والهتافات والتصريحات المؤيدة لقرارات مرسي كانت مخيفة وهي تحشر الشريعة في تنافس سياسي. لقد أفرزت الثورات العربية الأخيرة واقعاً سياسياً جديداً, معارضة يسارية في مقابل سلطة إسلامية, لكن المشكلة التي ستلهب المشهد السياسي أن هناك – كما عبّر مثقف مصري- سلطة بلا خبرة كافية ومعارضة بلا رؤية واضحة, فيساريو مصر مثلاً مازالوا يعارضون بنفس عقلية ما قبل الثورة عقلية العداء المؤدلج, وإذا استمروا بهذا العقلية فإن الاسلاميين سيتقدمون عليهم في المستقبل, فإضافة لكونهم يمتلكون تنظيماً قوياً ورؤية موحدة، فإن العمل في السلطة في ظل المتغيرات الجديدة ستكسبهم مع الأيام نضجاً سياسياً خصوصاً وأنهم أكثر مرونة في العمل السياسي من غيرهم. أين تكمن مشكلة الإسلاميين (الإخوان تحديداً)؟ وأين تكمن مشكلة اليساريين؟.. في تقديري أن قدرة الاسلاميين على حشد الجماهير تجعل بعضهم يصاب بالغرور, والغرور يصيب الكبار دوماً في مقتل, وغرور الإسلاميين ليس خطراً عليهم فقط، بل علينا جميعاً كونه مرتبطاً بالاستعلاء الديني الذي يجعل بعض الإسلاميين يعتقد – غروراً- أن معارضته أو نقده يندرج ضمن مخطط تآمري ضد الشريعة, كما أن بعض الدعاة والخطباء ورغم انتمائهم التنظيمي للاحزاب الإسلامية إلا أنهم ما زالوا يكفرون بالديمقراطية ويشنون حرباً شعواء على المدنية وأخواتها. لكن مشكلة بعض اليساريين تبدو عويصة ومعقدة على أنفسهم أكثر مما هي على خصومهم, فما يحركهم في معارضة الإسلاميين ليس قصة حماية المدنية والتي يمارس بعضهم سلوكاً مغايراًَ لها, ولا الحفاظ على الديمقراطية، لأن حمايتها لا تعني الفرح بتسييس القضاء والتصفيق لعودة حكم العسكر, ولا حتى الوقوف ضد التشدد الإسلامي السني لأن محاربة هذا التشدد ليس طريقه التحالف مع التطرف الإسلامي الشيعي, ببساطة لا يستطيع كثير من اليساريين – إلا ما ندر- التخلص من خصومتهم الايديولوجية مع كل من هو (اسلامي), إن الحقد الايديولوجي ضد الإسلاميين هو الذي يتحكم في نشاطات اليسار العربي حالياً, وهذا الحقد هو الذي يجعل بعض اليساريين رغم مشاركتهم في ثورة الشعوب ضد الاستبداد, ينقلبون ضد نتائج ديمقراطية ما بعد الثورة لأنها لم تأتِ بهم بل أتت بخصومهم الإسلاميين, وهو الذي يجعل بعض اليساريين هنا يساوي بين أخطاء الثورة اليمنية وجرائم نظام صالح التى ارتكبت بحق الثوار. ببساطة لقد أصبحت الشعوب العربية غبية لأنها ثارت مع أنها كانت في نظرهم قبل قيام الربيع العربي غبية لأنها لم تثر. رابط المقال على الفيس بوك